العلمانيون

مقدّمة

  1. يعلن بولس الرسول، في بداية رسالته إلى أهل أفسس، أنّ “الله اختارنا قبل إنشاء العالم لنكون عنده قدّيسين بلا عيب في المحبّة” (أف 1/4). بهذا تنظر الكنيسة إلى حضور المؤمنين فيها وإلى حياتهم ودورهم، إذ أنّ الله، وإن لم يكن ملكوته من العالم، فهو يبغي تحقيقه في هذا العالم على يدّ المؤمنين به. وبالمسيح يصبح الزمن فرصة جديدة يرتقي خلالها الإنسان إلى مستوى الألوهيّة ويصبح التاريخ المكان الصالح الذي فيه يجسّد شعب الله محبّة المسيح ويحقّق ملكوته في حياته؛ لأنّ المسيحيّ صورة معلّمه يسعى ليعيش المحبّة ويحقّق في ذاته وفي حياته “ملء قامة المسيح”. والكنيسة تدعوه ليشهد للمسيح في العالم، محوّلاً بيته وعمله واهتماماته التربويّة والعائليّة والاجتماعيّة والمهنيّة والسياسيّة مراكز يشهد فيها وعبرها لمحبّة الله فيه.
  2. في ضوء هذه الدعوة والرسالة، وفي هذه المسيرة المجمعيّة، ضمن ديناميّة التجدّد للأفراد والجماعات، يعرض هذا النصّ المجمعيّ دور العلمانيّين في حياة الكنيسة المارونيّة في لمحةٍ تاريخيّة موجزة ثم ينتقل إلى الاطلاع على بعض المبادئ الكنسية التي ترعى حياة العلمانيّين متوقفًا عند ما آلت إليه الحال، في الزمن الحاضر، ليخلص إلى تطلّعات مستقبليّة يُرافقها عمل منظَّم ومدروس يسمح للمؤمن بأن يسلك طريق الربّ إلى القداسة.

الفصل الأوّل : لمحة تاريخيّة

أوّلاً: التقليد المنقول

  1. عُرفَ المؤمنون العلمانيّون، في الكنيسة المارونيّة، على مدى القرون، “بالعْوام”، وهي كلمةٌ سريانيّة الأصل (“عَمُا” وجمعها “عَما”) تعني “الشعب”. وغالبًا ما ظهرت هذه المفردة في المجامع المارونيّة لتعبّر عن حضور الشعب المارونيّ فيها، باستمرار، إلى جانب الأساقفة والكهنة والأعيان، وعن قيامه بدوره في حياة الكنيسة، حتى كانت كلمته شبه نافذة، في اختيار “خوري الضيعة”، آنذاك، من بين الرجال المشهود لهم بالعلم والفضيلة، وكانوا يقدّمونه إلى الأسقف ليرسمه كاهنًا لخدمة أبناء رعيّته. وعلى مدى حقبات، كان الشعب المارونيّ يشارك بواسطة ممثلين عنه في انتخاب البطريرك[1].
  2. وفي عودةٍ إلى حياة الجماعة المارونيّة الأولى، نجد أنّ المئات من الرجال والنساء[2] اختاروا أن يعيشوا حياةً شبيهة بحياة مارون، إلى أن نَمَتْ الكنيسة المارونيّة من جماعة “بيت مارون”، في أفامية، وتحوَّلت إلى كنيسةٍ منظّمة، في لبنان، يرئسها البطريرك وتشارك آبناءها حياتهم في كلّ أبعادها. وينقل التقليد أنّ “الشعب كلّه، بكباره وصغاره، كان يجتمع في الكنيسة، مرّتين في النهار على الأقّل، صباحًا ومساءً، للصلاة وقراءة الإنجيل والأسفار المقدّسة وسير القدّيسين، وسماع الكلمة والإشتراك في الذبيحة الإلهيّة، لذلك كثُرت الكنائس في القرية الواحدة وسهُل ارتيادها على الجميع”[3]. وقد كان لحياة الشعب، آنذاك، تأثيرها الإيجابيّ في المجتمع المحليّ، ولاسيّما في لبنان، حيث مع انتشار الموارنة عبر الأراضي اللبنانيّة، عمل بعضهم لدى مشايخ الدروز والشيعة فكان لشهادة حياتهم أثر كبير في النفوس حتى أنّ عددًا من العائلات الدرزيّة والإسلاميّة اهتدى إلى المسيحيّة متأثرًا بمثلهم.

ثانيًا: المجمع اللبنانيّ

  1. مع المجمع اللبنانيّ (1736) أخذت العلاقة بين العلمانيّين والإكليروس تتضح وبدأ موقع العلمانيّين ودورهم يتأصَّلان، فظهر ذلك في إلزاميّة التعليم وفتح المدارس وانتشار الثقافة والتربية[4]. بيد أنّ ذلك الدور بدأ بالتراجع لصالح كنيسة تراعي التراتبيّة والخطّ الإكليريكيّ على ما هو الحال في التقليد الرومانيّ، الذي تسرّب إلى الموارنة بتأثير مباشر آنذاك من تلامذة مدرسة روما. ولما فتحت المدارس والإكليريكيّات وتعمّّمت القراءة وإنتشر العلم ازداد المفهوم الغربيّ للتراتبيّة الكنسيّة انتشارا في الكنيسة المارونيّة بحجّة التنظيم وضبط الشوائب[5] وهذا ما ساهم في خلق تباعد بين السلطة والشعب وانحصرت الأمور بيدّ السلطة الكنسيّة، وأخذ دور العلمانيّين يتراجع ويتهمّش، ولم يعد يشمل إلاّ بعض الخدمات الثانويّة. 
  2. غير أنّ المرحلة اللاحقة، أيّ ابتداءً من منتصف القرن الثامن عشر وحتى المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قد عرفت نموًّا كبيرًا في الكنيسة المارونيّة وبخاصةٍ بعد تكاثر الإرساليّات الغربيّة وانتشار المؤسّسات التربويّة، والجماعات الرهبانيّة الرساليّة وقيام المدارس المارونيّة في الأديار والرعايا. 

وبرز عاملان مهمَّان تركا في حياة الكنيسة المارونيّة أثرًا كبيرًا على الصعيد الرعويّ وهما: أولاً، انتشار أخويّات[6] النساء والرجال في الرعايا، وتنامي عدد منظّمات العمل الكاثوليكيّ التي كان للمرسَلين الغربيّين، ولاسيَّما الآباء اليسوعيّين، الدور الكبير في تأسيسها وانتشارها؛ وثانيًا، بداية الهجرة المارونيّة إثر أحداث 1860، والتي ما لبثت أن ازدادت مع الحربين العالميّتين الأولى والثانية، حتى أصبحت كنيسة الانتشار أكثر عددًا من الكنيسة الأم. وقد لعب التواصل المكثّف مع الكنيسة الجامعة الدور الأساس في ربط كنيسة الانتشار بالكنيسة الأمّ. كما كان للعلمانيّين الموارنة، عبر التزامهم الدينيّ وعطاءاتهم المتنوّعة وسخائهم الماديّ، دور هامّ في إنشاء الرعايا وتأسيس أبرشيّات مارونيّة في بلدان الانتشار.

  1. وشهدت هذه المرحلة تقدّمًا كبيرًا في تفعيل دور العلمانيّين في مختلف القطاعات وبخاصّة في قطاعات ثلاثة هي: التربية، من خلال العمل في المدارس والجامعات، والخدمات الإنسانيّة والإستشفائيّة، من خلال الجمعيّات والمستشفيات والمستوصفات، والحياة الرعويّة، من خلال الأخويّات والمنظّمات الرسوليّة ولجان الأوقاف. أمّا في بلدان الانتشار فقد كان لاهتمام الكثيرين من الموارنة الأثر الأكبر في تأسيس الكنائس المارونيّة وتحويلها إلى رعايا، بالتنسيق مع السلطة الكنسيّة المحلّيّة (اللاتينيّة). وغالبًا ما كان العلمانيّون يستضيفون كهنة موارنة، من لبنان، واضعين قدراتهم الماديّة والمعنويّة في سبيل بناء الكنائس، وتأسيس الرعايا. كما أنّ الكثيرين أسهموا في تأسيس أبرشيّات الانتشار، واقفين إلى جانب أساقفتهم، في كلّ الظروف ومختلف المراحل، ومهتمين بترسيخ حضور الكنيسة إلى جانب أولادها، في دنيا الانتشار فأعطت مواقفهم وأعمالهم دفعًا كبيرًا لكنيسة الانتشار، وعزّزت الارتباط المستمر بالكنيسة الأمّ.

الفصل الثاني : المبادئ الكنسيّة حول العلمانيّين ورسالتهم

من المجمع الفاتيكانيّ الثاني حتى اليوم

أوّلاً: في وثائق المجمع

  1.  أكّدت مقرّرات المجمع[7] على مفهوم الكنيسة، “جسد المسيح” و”شعب الله”، كنيسة المشاركة، كنيسة الجسد الواحد الذي ينشط فيه الأعضاء، وفيها تتعدَّد المواهب والدعوات المتمايزة، ليقوم كلّ منها بدوره في بنيان الجسد وخيره. وقد حدّد المجمع الفاتيكانيّ الثاني معنى كلمة “علمانيّين”. أيّ “كلّ المسيحيّين، ما عدا الّذين هم أعضاء في الدرجة المقدّسة والحالة الرهبانيّة المعترف بها في الكنيسة، أيّ المسيحيّين الّذين أصبحوا جسدًا واحدًا، مع المسيح وتألّف منهم شعب الله، وأصبح كلّ واحدٍ منهم بحسب طريقته شريكًا في وظائف المسيح الكهنوتيّة والنبويّة والملكيّة، فيما يمارسون رسالة الشعب المسيحيّ كلّه، في الكنيسة والعالم، كلّ حسب قسمته”[8]. وهم مدعوون من خلال كهنوتهم العامّ إلى القداسة: “ينال العلمانيّون، بفعل تكرّسهم للمسيح وبمسحة الروح القدس، الدعوة العجيبة، والوسائل التي تُتيح للروح أن يُثمر فيهم ثمارًا تتزايد باستمرار. ذلك بأنّ نشاطاتهم وصلواتهم ومشاريعهم الرسوليّة وحياتهم الزوجيّة والعائليّة، وأعمالهم اليوميّة، وتسليتهم العقليّة، بأكملها تستحيل “قرابين روحيّة مرضيّة لله بيسوع المسيح (1 بط 2/5)؛ وتنضمّ هذه القرابين في إقامة الإفخارستيّا، إلى قربان جسد الربّ، لترفع بكلّ تقوى إلى الآب”[9].
    1. يؤكّد هذا المفهوم أنّ لا مجال للمنافسة ولا للإستئثار بأيّ مركز، على حساب الجماعة الكنسيّة بل خدمةً لها. ولتحقيق المشاركة شرطان متلازمان: إعتبار السلطة خدمة للجسد كلّه، والتعاون مع العلمانيّين في سبيل خدمة فضلى للكنيسة. وإستعداد العلمانيّين للقيام بدورهم، بدون مقابل تجاوبًا مع دعوتهم. من هنا يشدِّد الآباء على الحاجة إلى تعميق رؤيةٍ متكاملة، في إطار الشركة الكنسيّة، بين حامليّ رسالة الخدمة الكهنوتيّة، من أساقفة وكهنة وشمامسة وحامليّ الكهنوت العامّ أيّ جميع المؤمنين الذين” في موضعهم ذاك دعاهم الله ليعملوا عمل الخمير من الداخل على تقديس العالم، بمزاولة مهماتهم الخاصّة بهدي الروح الإنجيليّ، وليعلنوا المسيح للآخرين بشهادة حياتهم، قبل أيّ شيء آخر، فتشعّ إيمانًا ورجاءً ومحبّة…”[10]. “وهذه الرؤية التكامليّة تعزِّز دور العلمانيّين كشهود في قلب العالم، يضمنون حضور الكنيسة وعملها في الأمكنة والأحوال التي لا يمكنها أن تكون ملحًا للأرض إلاّ بهم “[11].
    2. وقد دَعَت وثائق المجمع الكهنة إلى “الإعتراف، بصدق، بالعلمانيّين وكرامتهم وبالدور المنوط بهم، في رسالة الكنيسة، والعمل على إنمائها والإعتراف بما لهم من خبرة ومقدرة، في مختلف ميادين النشاط البشريّ، لكي يتمكّنوا معهم من معرفة علامات الأزمنة… وعليهم أن يولوا العلمانيّين النصيب الكافي من الثقة، فيفوّضوا إليهم مهمّات ومسؤوليّات تمكنّهم من وضع مواهبهم وطاقاتهم في خدمة الكنيسة”. ويحثّ المجمع “العلمانيّين على أن يعوا واجباتهم تجاه كهنتهم، ويحوطوا رعاتهم بالحبّ البنويّ ويشاركوهم في حمل همومهم، ويساعدوهم، وسع طاقتهم، بصلاتهم وعملهم”[12].

ثانيًا: “العلمانيّون المؤمنون بالمسيح” وصعوبات التأقلم مع المجمع

  1. بعد مرور عشرين عامًا على المجمع الفاتيكانيّ الثاني، أصدر قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني الإرشاد الرسوليّ “العلمانيّون المؤمنون بالمسيح” في مواجهة بعض الصعوبات والأخطار، ومنها تجربتان، لم يستطع العلمانيّون تلافيهما: “أوّلاهما، تكريس ذواتهم للخدمات والمهمّات الكنسيّة بغَيرةٍ متّقدة، حمل بعضهم على التخليّ الفعليّ عن المسؤوليّات الخاصّة بهم، على الصعيد المهنيّ والإجتماعيّ والإقتصاديّ والثقافيّ والسياسيّ؛ وثانيتهما عرَّضتهم على نقيض ذلك، لأن يستبيحوا التمييز، دون ما مبرّر، بين الإيمان والحياة، وبين الخيار الإنجيليّ وممارسة النشاط الفعليّ، في مختلف المجالات الزمنيّة والأرضيّة”[13]. فضلاً عن أنّ البعض قد أساء قراءة المجمع الفاتيكانيّ الثاني ولم يستطع التمييز بين كهنوت الخدمة الذي يناله الكهنة بالسيامة الكهنوتيّة، والكهنوت العامّ الذي يناله المؤمنون، منذ اعتمادهم، إذ يلبسون المسيح فيصبحون إخوةً له وأبناءً لأبيه، بالتبنيّ، وهياكل للروح القدس، ويصبحون بالتالي مشاركين في كهنوته.

وقد قيّم هذا الإرشاد الممارسات التي استوحاها الكثيرون من المجمع الفاتيكانيّ الثاني وحدّد السبل التي يجب التقيّد بها، لتصبح مشاركة العلمانيّين “ممارسةً كنسيّةً صحيحةً”. فأعضاء المجمع تناولوا الخدمات الكنسيّة التي يستطيع المؤمنون العلمانيّون القيام بها مشدّدين على ضرورة دعم الحركات العلمانيّة الرسوليّة الجديدة، وتنميتها في قلب الكنيسة.

  1. وتناول الإرشاد، بشكلٍ خاصّ، تحديد موقع المرأة ودورها في الكنيسة والمجتمع؛ فلا تهمل المواهب الروحيّة والإنسانيّة التي أعطاها الله إياها لخير الكنيسة وبُنيتها، بل تُعطى كامل حقّها ودورها الخاصّ المميَّز تجاه البشريّة. ينبع إلتزام المرأة من وعيها لأهميّة دورها “الأموميّ” و”الأنثويّ”، وخصوصيّته في قلب العائلة والكنيسة. وقد دعتها الكنيسة[14] إلى الانخراط في البُنى الكنسيّة وتبنّى قداسة البابا طلب آباء المجمع بالمجامع في أن تشارك المرأة أكثر في المشاورات وفي إعداد القرارات ضمن الكنيسة وفي تهيئة الوثائق الرعويّة والأبرشيّة والمتعلقة الخاصّة، وأن تخوض مجال الإرساليّات لافتًا الإنتباه إلى دورها التكامليّ في نقل الإيمان والثقافة الدينيّة والتعليم اللاهوتيّ[15]. وهذا الإنخراط ليس مستحدثًا، فقد كانت المرأة، على مثال مريم، حاضرة في جماعة “بيت مارون” منذ البدء، وإن ضعف هذا الدور فيما بعد ليعود ويظهر الآن بدينامية أكثر إذ نراها، وقد إلتزمت بكثير من الحركات الرسوليّة والأخويّات، ولا تزال مستعدّةً لمثل هذا الإلتزام، على أن تبقى لها الأبواب مفتوحة، لتقوم بملء دورها، ضمن الكنيسة، وتشارك في إعداد القرار، خاصّة في المسائل التي تتعلّق بقضايا العائلة والتربية والثقافة…

ودعا الإرشاد العلمانيّين إلى تثمير رباطهم بالمعموديّة، ووعيّ دعوتهم إلى القداسة، ملتزمين الشهادة والعمل لتغيير العالم ونشر القيم الإنجيليّة، كلاًّ حسب موقعه ومواهبه، فيكون “غصنًا في الكرمة” في الكنيسة – السرّ، في الكنيسة-الشركة، و”ليأتي بثمار” في الكنيسة – الرسالة.

ثالثًا: الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان”

13.  أتى هذا الإرشاد على ذكر العلمانيّين أكثر من 45 مرّة، وقد خصّ بهم الفقرات من عدد 45 إلى عدد 51، بشكلٍ مباشر، منوِّهًا بدورهم في المرحلة الاعداديّة للسينودس، إذ شارَك الكثيرون منهم “بفطنةٍ واندفاع في الإجابة على الأسئلة، والتحضير للجمعيّة الخاصّة” كما شارك عددٌ منهم في أعمال السينودس، بصفة مستمعين.

وأكّد على أهميّة دورهم ورسالتهم، ودعاهم إلى إلتزام “خدمة المدينة الأرضيّة في مجال الخير العامّ، مستقين من إيمانهم الهداية والمبادئ الأساسيّة للحياة في المجتمع”[16]، وفي مجال إدارة الشؤون العامّة وسياسة المجتمع[17] والسعي إلى تغيير العالم وتحقيق الخير العامّ.

14.  وأثنى على استعدادهم السخيّ، وجهوزيّتهم للتعاون مع السلطة الكنسيّة وما تطلبه، من مشاركة، داخل هيئات القرار، كالمجالس الأبرشيّة والرعويّة، وفي إدارة الأوقاف، وغير ذلك من الخدمات الكنسيّة[18] وفقًا لمواهبهم. وفي المقابل، “ينتظرون منها (السلطة الكنسيّة) أن تستعين بهم، وتعبّر لهم عن ثقتها”[19]. وبعد أن أكّد الإرشاد أهمّيّة تنشئة العلمانيّين وبخاصّةٍ، الراشدين منهم، دعاهم إلى اشتراكٍ فاعلٍ ومسؤول، وفقًا لمؤهّلاتهم، في البنى الكنسيّة، وإلى التجنّد للبحث الفكريّ والدرس، فتنمو الثقافة المسيحيّة، في العالم العربيّ، وتزدهر.

وعَبَّر الأب الأقدس عن سعادته في “أن يكون آباء السينودس قد أرادوا أن يفسحوا للنساء مجالاً أوسع، للعمل في مختلف البنى الكنسيّة، على صعيد الرعايا والأبرشيّات، والهيئات القائمة في البطريركيّات، وذلك، في المجالات الروحيّة والفكريّة والتربويّة والاجتماعيّة والإداريّة”[20].

الفصل الثالث : واقع الحال في الزمن الحاضر

  1. يلعب الإطار الإجتماعيّ دورًا هامًا في حياة الموارنة وفي نوعيّة تفاعلهم مع مختلف المعطيات المحيطة بهم، والبيئات التي فيها يعيشون. فانتشار الموارنة على مدى الكرة الأرضيّة جعلهم يتأثّرون بالحضارات والتقاليد، على تنوّعها، مع الحفاظ على ثوابتهم الإيمانيّة والكنسيّة، مّما يساعدهم على الإنثقاف الصحيح دون ذوبان. وقد ظهرت تلك الثوابت في مدى إلتزام الموارنة، أينما كانوا، بإيمانهم، من خلال ممارستهم الصلوات والأسرار بانتظام وبمشاركتهم في حياة الكنيسة المحليّة أو الرعيّة، متبعين القيم والمبادئ التي أخذوها عن الأجداد والآباء. وقد نجحت الكنيسة المارونيّة، إلى حد بعيد، في رعاية هذا الإلتزام لدى المؤمنين كافّة لاسيّما الصغار بينهم. ونجد هذا جليًّا، في حياة الكنيسة المارونيّة عبر العالم حيث استطاعت أن تنظّم ذاتها، وتسهر على تنشئة أبنائها ورعايتهم.

1. إلتزام الأشخاص

  1. لقد عاش الشعب المارونيّ حياة الإيمان، بإندفاع وصدق، رغم التحدّيات التي واجهته، عبر تاريخه. وتشهد السنوات الأخيرة عودة متجدّدة ومتّقدة، إلى حياة الإلتزام الناضج، والرغبة في التثقف الدينيّ والتعمّق في مسائل الإيمان. وما انتشار الجماعات العلمانيّة الموجّهة إلى الأزواج والعائلات سوى شهادة حيّة لهذا الوعي المتجدّد. غير أنّ الجماعة المارونيّة في لبنان والعالم، ما زالت تشهد، في المقابل، إندفاعات عفويّة وكريمة، نحو ممارسات دينيّة وطقسيّة، تدخل ضمن إطارٍ تقليديّ عاطفيّ، مبنيّ على الموروثات. كما أنّها، وبتأثيرٍ من معطيات جغرافيّة وسياسيّة معيّنة، تشهد عند البعض، ومن حين إلى آخر، مقارباتٍ تحوّل الإيمان إلى إيديولوجيّات سياسيّة أو تحصره في انتماءات طائفية ضيّقة. وعند البعض الآخر، وبخاصّة في حالات الأزمات السياسيّة، هناك نزعة للدمج بين الدين ومَن “يحمل” الدين؛ فإذا حدث أنّ موقف الكاهن أو الأسقف أو البطريرك في إحدى القضايا الاجتماعيّة أو السياسيّة لم يلائم أحدهم ابتعد عن الدين وتوقّف عن الذهاب إلى الكنيسة. لذا، وإن كان إلتزام الأشخاص حياة الإيمان في الرعيّة والأبرشيّة والكنيسة الجامعة، قد شهد نموًّا مطّردًا وملحوظًا، فإنّه يبقى بحاجة إلى توجيه وتثقيف وتنشيط، حتى يغدو العلمانيّ أكثر جهوزيّة للمشاركة الفاعلة في حياة الكنيسة وعملها، بمعزل عن أداء هذا أو ذاك من المسؤولين.

2. الحركات والمنظَّمات الرسوليّة

  1. وتجد هذه الأمنيّة صداها لدى الكثيرين من أبناء الكنيسة المنتمين إلى أخويّات ومنظّمات وحركات رسوليّة علمانيّة وجماعات صلاة، قديمة كانت أم جديدة، إذ يقصد بعضهم معاهد اللاهوت والتثقيف الدينيّ، كما يشارك آخرون، بديناميّة مميّزة، في تنشيط العمل الرعويّ والرسوليّ، في الرعايا والأبرشيّات، إلى جانب الكهنة والأساقفة. ويمثّل هؤلاء، جميعًا، بانتمائهم وطاقاتهم وديناميّتهم “ربيعًا جديدًا للكنيسة” كما يقول قداسة البابا.
  2. وقد عرفت السلطة الكنسيّة اليوم، أن تستفيد من حضور العلمانيّين ومشاركتهم في مختلف البنى الكنسيّة، نظرًا لموقعهم ورسالتهم، فخطت خطوات هامّة في هذا المجال، لاسيّما على مستوى العمل، داخل الرعيّة. إلاّ أنّ الواقع يبرز عثرتين لا بدّ من التنبّه لهما: أوّلاً، اعتقاد البعض أنّ الكنيسة لا تلجأ إلى العلمانيّين أو لا تشركهم في العمل الكنسيّ إلاّ بسبب تناقص عدد الكهنة؛ وثانيًا، إظهار مسألة الإلتزام في خدمة الرعيّة أو الأبرشيّة وكأنّها تجاوز من العلمانيّ لحدوده، ومحاولة منه لوضع اليدّ على صلاحيّات الكاهن.

أوّلاً: دور العلمانيّين في البنى الكنسيّة

  1. والنظرتان تشوّهان لاهوت الكنيسة الشركة التي تدعو المؤمن وقد “لبس المسيح بالمعموديّة” لأن يكون عضوًا فاعلاً في جسد المسيح السريّ. فالكنيسة المعلمة، من هذا المنظار، تحثّ المؤمنين العلمانيّين على وضع مواهبهم وقدراتهم، كلّ على قدر ما أُعطي، في خدمتها بغية الوصول إلى تحقيق ملكوت الله في العالم.

يتطلّب الإلتزام الفعليّ الحقيقيّ في البنى الكنسيّة من كلّ علمانيّ، عدم الإكتفاء بالانتساب الإجتماعيّ الطائفيّ بل التعمّق في الإيمان الحيّ من خلال الحياة الإيمانيّة العميقة والتنشئة المستمرة والتمتع بروح الشركة الكنسيّة والاستعداد لوضع مؤهلاته في خدمة الكنيسة. وتتألم الكنيسة إذ ترى بعض أبنائها، وهم في سعيهم إلى مناصب شرفيّة أو سلطويّة، يستخدمون مشاركتهم في مؤسسات وبنى كنسيّة، معيّنة، كمطيّة، للوصول إلى غايات خاصّة، وتحقيق مآرب شخصيّة.

  1. فالكنيسة تدعو العلمانيّين لرسالة رعويّة متنوّعة، في خدمة الجماعة، وبنيان شعب الله، وتوكل إليهم مسؤوليات محدّدة يتعاونون فيها مع كهنة الرعايا ومع مرشدي الحركات الرسوليّة ومع الأساقفة على مختلف الصُعُد. ولقد اتخذت الكنيسة الكاثوليكيّة في لبنان، ولاسيّما الكنيسة المارونيّة خطوات متقدّمة في هذا الميدان إن على مستوى مقررات مجلس المطارنة الموارنة، أو على مستوى مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، فأولت العلمانيّين دورًا فاعلاً في كلّ من اللجان الأسقفيّة والهيئات والمؤسّسات التابعة للكنيسة. كما سهرت على تنشيط المجالس الأبرشيّة والرعويّة وتفعيلها والعمل على إنشاء المجالس الأبرشيّة والمجالس الرعويّة وتفعيلها حيث لم تنشأ بعد. وقد حذت الأبرشيّات المارونيّة في الشرق الأوسط[21] وبلدان الانتشار حذو الكنيسة الأم فقامت بمبادرات إيجابيّة وفعّالة تعزز دور العلمانيّين وتشركهم في توفير الخدمات الرعويّة لأبنائها، فانتشرت المنظّمات[22] والحركات الرسوليّة والجماعات الروحيّة التي ساهمت، بقوّة، في إحداث التجدّد وتعزيز الإلتزام.

1. في الحركات الرسوليّة ومنظّمات العمل الرعويّ

  1. تشكّل الحركات المسيحيّة كنزًا ثمينًا، للكنيسة الكاثوليكيّة، عامّة، والمارونيّة بشكلٍ خاصّ. فهي أحد مظاهر الوجه المواهبيّ للكنيسة، فيها يعيش الأعضاء خبرة حياة أخويّة، وحياة مسيحيّة صافية. “فعلى المسؤولين، ولا شكّ، أن يحافظوا على ما تتميّز به حركاتهم، من طابع خاصّ. ولكن، عليهم، أيضًا، أن يتحقّقوا، باستمرار، من احترام هذه الجمعيّات العلمانيّة للضوابط الكنسيّة”[23] ومن مساعدتهم على توظيف التزامهم هذا، في مجال تقدّم رعاياهم وأبرشيّاتهم.

تزخر رعايانا، في لبنان، وفي بلدان الانتشار، بعدد كبير من منظّمات وجماعات العمل الرسوليّ العلمانيّ؛ وقد أصبح من الضروريّ مساعدة تلك الجماعات لتكون حيّة في قلب الكنيسة المحليّة. ويوصي الحبر الأعظم، دومًا، بالعمل على تنمية هذه الحركات، واللجوء إليها، لتتمكّن من أن تعطي زخمًا للحياة المسيحيّة وللبشارة، لاسيّما عند الشباب والعائلات، في رؤية تعدّديةٍ لأشكال التجمّع والتعبير عن الإيمان[24].

لذلك تدعو الكنيسة هذه الحركات لتغني أعضاءها بتنشئة إنسانيّة ودينيّة معمّقة ومستمرّة فتنمو بذلك محبّتهم للمسيح وللكنيسة، ويؤدّوا شهادة شراكة متينة وقويّة في عقيدتهم و”احترام متبادل لكلّ ألوان الرسالة في الكنيسة”[25].

2. في المؤسّسات الكنسيّة

  1. من جهة ثانية، تشهد المدارس الكاثوليكيّة نقلة نوعيّة في تنظيم رسالتها ونشرها، إذ باتت تعمل من ضمن رعويّة خاصّة بالكوادر التربويّة مثل الهيئات الإداريّة والتعليميّة ورابطة الأهل ورابطة القدامى. كذلك، نلاحظ جهدًا كنسيًّا ملحوظًا لتأمين إيصال كلمة الله بواسطة التعليم المسيحيّ إلى تلامذة المدارس الرسميّة والخاصّة بالإضافة إلى برامج تنشئة موجّهة للأطفال ضمن الرعايا والمؤسّسات الكنسيّة. كما أوجدت الكنيسة آليّة للتنسيق بين المستشفيات وهيئة التنسيق بين الجامعات، لكنّ الجهود في هذا الاتجاه لم تكتمل بعد، ويبقى السؤال الأساسيّ مطروحًا: كيف يكون الموظف في مؤسّسات الكنيسة مسيحيًّا إن لم يتسنَّ له أن يكون شاهدًا لإيمانه من خلال ممارسته لعمله اليوميّ؟
    1. لعلَّ الجواب أن يكون هذا الدور رياديًّا بامتياز في حياة الكنيسة، وهي التي استطاعت، عبر الأجيال، أن تنقل الإيمان خالصًا، لكلّ الغرباء عن المسيح، بواسطة شهادة الحياة اليوميّة في البيت والمجتمع والمدرسة والمستشفى وفي كلّ مكان آخر. لذا وجب تفعيل هذا الدور من جهتيه، جهة المسؤولين الكنسيّين، ليقدِّموا المثل الصالح، في عيش ما يبشرون به، ويوفروا الأطر الصحيحة للمؤمنين العاملين في مؤسّسات الكنيسة؛ وجهّة العلمانيّين، ليمزجوا الإيمان بالأعمال فيكونوا فعلاً حجارة حيّة، في بناء الملكوت.

4. في اللجان الأسقفيّة والإدارات الكنسيّة العامّة

  1. أمّا على مستوى هيكليّة الكنيسة وإدارة مؤسّساتها، فقد أوسعت السلطة الكنسيّة مكانًا مهمًّا للعلمانيّين يلعبون فيه دورًا أساسيًٍا ولاسيّما على مستوى تنفيذ المقرّرات والإستراتيجيّات. ويبدو هذا الأمر جلـيًّا، في اللجان الاسقفيّة، والإدارات الكنسيّة والأجهزة المرتبطة بالكنيسة، أو المنبثقة عنها. إلاّ أنّ الكثيرين من أعضاء هذه الهيئات واللجان ينقلون امتعاضهم من فوضى العمل واستنسابيته وعدم احترام التوقيت وغياب التخطيط واحتكار بعض الأساقفة و/أو المسؤولين فيها للقرارات المهمة واستبعاد العلمانيّين الذين يعارضون آراءهم.

يطرح هذا الواقع، وبجدّيّة، السؤال حول المقاييس والمعايير المتّبعة لاختيار العلمانيّين أعضاء هذه اللجان والهيئات. كما يطرح السؤال حول مدى صلاحيّة المسؤول ومدى وعيه لرعويّة مشاركة العلمانيّين في حياة الكنيسة، وبالتالي مدى الشراكة بالقرار. وقد بات هذا الأمر ملحًّا، سيّما وأنّ الكنيسة المارونيّة مزمعة على المضيّ في العمل بروح مجمعيّة مشتركة حيث لا فضل لواحد على آخر إلاّ بمقدار صدق شهادته وإخلاصه بالعمل وتفانيه في خدمة الكنيسة. من هنا ضرورة وضع مقاييس واضحة ومعروفة لهذا الاختيار، منها مثلاً الإلتزام المسيحيّ المشهود له، الكفاءة العلميّة، الثقافة الكافية، روح الشركة الكنسيّة، الخدمة المتواضعة، وغيرها.

ثانيًا: دور العلمانيّين في البنى المدنيّة

  1. تدعو الكنيسة العلمانيّين إلى حياة مسيحيّة ملتزمة، “كشهود للإنجيل في العالم” مُدركة أنّ العلمانيّين بمجرّد وجودهم في العالم، يتعرَّضون لعيش نوع من التجاذب أو الفصام بين الإيمان من جهة، والحياة المهنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وغيرها من جهة أخرى. بمعنى أنّهم يمارسون شعائرهم الدينيّة من ناحية، ويعملون في العالم بحسب شريعة الربح والخسارة، أيّ بحسب ما تقتضيه مصالحهم وانتماءاتهم من ناحية ثانية. وهذا أمرٌ يناقض رسالة العلمانيّ الخاصّة التي تدعوه إلى العمل من الداخل -“كالخمير في العجين”- على تقديس العالم في المحيط الذي يوجد فيه. على أنّ إيجابيّة هذا الواقع تكمن في أنّه يُظهر قيمة العلمانيّين الذين يحاولون، ضمن عملهم في المؤسّسات، على اختلافها، عيش مسيحيّتهم بصدق وثبات حتى ولو”عكس التيّار”، متّكلين بذلك على نعمة الربّ، وآملين أن تكون المحبّة وسيلة التغيير المجتمعيّ. فعالم اليوم ليس بحاجة إلى متكلّمين بقدر ما هو بحاجة إلى شهود حياة. والربّ ائتمن كلّ معمّد على الشهادة لإنجيله وسط العالم. والمؤمن، إذ يُدرك نِعمَ الربّ ويقدّرها، يجتهد في أن يبادل الربّ عطاءه في عيشه اليوميّ بحسب شريعة المحبّة وسط العالم من جهة، ومن خلال وضعه وقته ومواهبة ومقدّراته في خدمة الجماعة وتقدّمها وبُنيانها من جهة أخرى. فالمؤمن يجسّد “الوكيل الأمين الذي أقامه الربّ على أهل بيته ليعطيهم الطعام في حينه.”

1. التأثيرات الاجتماعيّة: الحرب والهجرة والأوضاع الاقتصاديّة

  1. إنّ الحروب والصراعات التي تحصل عندنا وفي العالم الأثرَ الكبير في زعزعة حياة العائلات والأفراد، وفي تنامي الهجرة المارونيّة. وما لم تستطع الحرب فعله أكملته الأوضاع الاقتصاديّة المترديّة، التي اجتاحت لبنان، وأماكن كثيرة، من العالم، في السنوات الأخيرة. هذه العوامل تضع المؤمن المارونيّ أمام تحدّيات هامّة، يحاول الكثيرون مواجهتها بالتزامهم المسيحيّ، وهم يعيشون ويعملون ضمن البنى المدنيّة في مجالات الحياة الاقتصاديّة أو السياسيّة أو المهنيّة، على اختلافها وتنوّعها. وقد ظهر في كنيستنا الكثير من المبادرات الإنسانيّة المبنيّة على الإيمان المسيحيّ التي تعمل على مجابهة هذا الواقع، بروح المحبّة المسؤولة، عوضًا عن الهروب منه أو الإذعان له.

2. العلاقة مع الديانات الأخرى

  1. يعيش الموارنة وسط مجتمعات تكثر فيها الإنتماءات الدينيّة، وتتنوّع. وهم يحاولون عيش إيمانهم، مع احترامهم الكليّ لإيمان الآخرين. هذا الواقع لم يكن ليصبح حقيقة، لولا تمرّس الموارنة في قبول الاختلاف واحترام الفوارق، ولولا نموّ كنيستهم في الشرق وخاصّة في لبنان. فشعار “لبنان الرسالة” الذي طرحه قداسة البابا، يؤكّد هذه الحقيقة، وهو قد استوحاه من واقع حياة كنيسة لبنان وعلاقتها بالديانات الأخرى. لكن تاريخ الموارنة القريب والبعيد لم يخلُ من الحذر المبنيّ على الأحكام المسبقة أحيانًا والذي تجسّد في العنف ذي المنحى الطائفّي مرّات عدّة، وآخرها في أحداث لبنان الأخيرة. كذلك يعيش المؤمنون اليوم حالة خوف من امتداد التيّارات الأصوليّة الإسلاميّة وجنوحها إلى التفرّد بالسلطة، ومواقفها المتطرّفة التكفيريّة، وهذا ما يسهم في تعزيز الشعور بالإحباط وحمل البعض على التقوقع أو على اختيار الهجرة الدائمة.

إزاء هذا الواقع، تعمل الكنيسة المارونيّة جاهدةً على ترسيخ مفهوم “لبنان الرسالة”، بمنطق الشركة مع الآخر، في بنيان وطن يكون لجميع أبنائه. وهذا الجهد يقتضي “حوار الحياة” الفعليّ، بالمحبّة المعطاء، والتواصل والإنفتاح، والتركيز على ضرورة تغيير الذهنيّات، وتطهير الذاكرة، وقبول الآخر، كما هو.

3. في الحياة الاقتصاديّة

  1. تسود عالم الحياة الاقتصاديّة عقليّة عامّة، مبنيّة على الانفصام بين الأخلاق والإنتاج الإقتصادي متأثّرة بالعولمة والتنافس والرأسماليّة الفوضويّة. فقد أصبح الإستغلال “شطارة” والنـزاهة “سذاجة” وبات العمل يتوخّى الاستفادة السريعة، على حساب المصلحة العامّة، والأخلاقيّة في التعامل. وقد نبّه تعليم الكنيسة الإجتماعيّ إلى هذه الأوضاع ورفع البطريرك المارونيّ مار نصرالله بطرس صفير، ومعه مجلس المطارنة الصوت عاليًا رافضين هذا الواقع، مشدّدين على ضرورة الخروج منه، لا بل محاربته، بالعودة إلى القيم الدينيّة والأخلاقيّة، بغية تغيير الواقع وتحطيم بنى الخطيئة[26] في المجتمع، مع التأكيد على أهميّة الإنتاجيّة التي تنمّي هذا المجتمع. ويعطي هذا التعليم الأولويّة للذات على المقتنى، مؤكدًا أنّ الملكيّة الخاصّة تقتضي المسؤوليّة وتتطلّب تعزيز جوّ التضامن والاهتمام بالأفقر من أبناء الكنيسة والمجتمع. وبالتالي، فإنّ الواقع يضع الذين يخوضون مجالات الحياة الاقتصاديّة أمام مسؤوليّة ممارسة الأعمال والمهن بروح مسيحيّة تتميّز بخلقيّة عاليّة وتقدّم الخير العام على كلّ ما عداه.

4. في الحياة السياسيّة

  1. يلحُّ الإرشاد الرسوليّ، رجاء جديد للبنان، على المؤمنين بضرورة المشاركة في الحياة السياسيّة وسط سعيهم لبناء أوطانهم ومجتمعاتهم لتوفّر الأفضل لأبنائها ويؤكد أنه “لايجوز للعلمانيين المؤمنين، قطعيًّا التخلّي عن المشاركة في “السياسة”، أيّ عن النشاط الاقتصاديّ والاجتماعيّ والتشريعيّ والاداريّ والثقافيّ المتعدّد الأشكال الذي يستهدف تعزيز الخير العام، عضويًّا ومن خلال المؤسّسات”[27]، فهم قد لبسوا المسيح بالمعموديّة وشاركوا في وظائفه الكهنوتيّة والنبويّة والملكيّة، وبالتالي فإنهم في خدمتهم الإنسان والمجتمع والوطن “يجعلون من عملهم تسبيحًا للخالق بتكميل عمل الخلق”[28] ويجسّدون “الإنجيل وفعاليته تجسيدًا يتألّق في حياتهم اليوميّة…ويعبّرون بحلم وجرأة وشجاعة، وسط مشقات الزمن الحاضر، عن رجائهم في المجد”[29]. ويشاركون في وظيفة السيّد الملوكيّة… “بتقدمة أنفسهم لخدمة المسيح، في المحبّة والعدالة”[30].

ولأنّ الكثيرين من العلمانيّين الذين يتعاطون السياسة، ما زالوا بعيدين عن جوهر هذه الممارسة الراقية والنابعة من القيم المسيحيّة، فقد تناولت عظات السيّد البطريرك ورسائله وتصريحاته وبيانات مجلس المطارنة الموارنة، الإلتزام السياسيّ بمعناه العميق دفاعًا عن القيم الوطنيّة كالإستقلال والسيادة، والقرار الحرّ، وشدّدت على ضرورة الإسهام في تصحيح الممارسة السياسيّة الديموقراطيّة، لترتكز أكثر على الأخلاق، واحترام كرامة الإنسان وحقوقه والحريّات العامّة، وحدّدت المعايير والمقاييس التي على المواطن أن يعتمدها، في ممارسة حقوقه، والقيام بواجباته، عند اختيار ممثّليه.

والخلاصة أنّ، الكنيسة تدعو أبناءها وبناتها الذين يتعاطون السياسة، لأنسنة هذا القطاع، وبثّ روح التجدّد فيه أن باستمرار؛ وبالتالي، تفعيل المجتمع المدنيّ المارونيّ، الزاخر بالمواهب والكفاءات، من أجل إحياء مفهوم العمل السياسيّ النبيل، وتغيير المفهوم المتداول القائم على تغليب المصلحة الشخصيّة على المصلحة العامّة، والتركيز على جيل جديد من السياسيّين، يعتمد العلم والكفاءة والمناقبيّة في إدارة الشأن العامّ.

5. في الحياة المهنيّة

  1. تدعو الكنيسة العلمانيّين إلى الالتزام بالإيمان والعيش بمقتضاه، في عالم المهن، كلٌّ بحسب عمله واختصاصه، مدركةً تمام الإدراك أنّ مبادرات كثيرة قد تبقى محاولات فرديّة وخجولة في وجه ما يعترضهم من تحدّيات وتغيّرات بنيانيّة، وتجاذبات متناقضة، ولكنّها الطريق الذي يؤدي إلى التغيير المنشود، على كلّ المستويات.

وهكذا، يرى العلمانيّون أنفسهم مدعوّين، بلا تردّد، إلى محاربة الشّر وبنى الخطيئة، في المجتمع، وكلّ أنواع الاغتراب عن الفضيلة، وإلى تخطّي الروح الفرديّة المتجذّرة في الكثير من الممارسات، وإلى العمل على تحقيق الخير العامّ وإنشاء “بنى الصمود” للحدّ من الهجرة، وتخفيف القلق واليأس، عند الشباب، ومساعدتهم على التجذّر في الوطن، وتنمية ارتباطهم بالأرض. وتدعو الكنيسة مؤمنيها، من خلال التزاماتهم المختلفة، الى التأكيد على الحقوق الأساسيّة وغير القابلة للاستلاب لكلّ إنسان والحفاظ على كرامة كلّ كائن بشريّ وحريّته، والعمل في خدمة السلام، وإحلال العدالة والتضامن والعطاء والبساطة الإنجيليّة في الحياة والإهتمام بالفقراء والمحرومين قبل سواهم. بهذا، يصبح العلمانيّون المؤمنون بالمسيح، كما يدعوهم الأب الأقدس “أنبياء الرجاء”، رجاء تغيير العالم، وجعله أكثر إجابة على الحاجات الحقيقية لكلّ الناس.

في هذا الضوء، تظهر الحاجة إلى رعويّة خاصّة بالمهن وأصحابها. فالمبادرات الحاليّة لتنظيم هذا الالتزام تبقى فرديّة ومبعثرة، إذ ليس من عمل منظََََّم، أو جسم منظّم يرعاها، ويواكب نموّها. فبعض الملتزمين في منظّمات وحركات مسيحيّة يحاول عيش هذه الشهادة، بوجوه متنوّعة، ولكن، ليس من جامع بينهم، لتثمير هذه الجهود، وقد بات العمل على تحقيق هذا التكامل ضرورة ملحّة.

الفصل الرابع : تطلّعات مستقبليّة

  1. يواجه الموارنة في لبنان والعالم، اليوم، تحدّيات مصيريّة، خاصّة في غياب خطط عمل واستراتيجيات وقرارات تصوغ رؤية واضحة للمستقبل، وتزرع الرجاء بغدٍ أفضل في النفوس. وهذه التحدّيات على اختلافها وتنوّعها، تضع المؤمنين أمام رهانات حياتيّة ثلاثة:

1. أن يستطيعوا المحافظة على صلابة إيمانهم في وقت يتابعون فيه انخراطهم في جميع قطاعات العمل، ومجالات الحياة وهم معرّضون لمختلف أنواع الضغوطات.

2. أن يحافظوا على انفتاحهم على الآخرين، والتعاون معهم (وهي من ثوابتهم التاريخيّة) دون أن يخسروا ذواتهم ويضيّعوا هويّتهم الحقيقيّة.

3. أن يتعاملوا مع التطوّر العلميّ والتكنولوجيّ واكتساب العلوم والمعارف، وسط انتشارهم الواسع، في مجتمعات العالم، دون أن يضحّوا بما تربّوا عليه من قيمٍ روحيّة وأخلاقيّة استمدّوها من إيمانهم.

أوّلاً: توصيات

  1. في ضوء ما ورد في النصّ ، يخلص المجمع الى التوصيات التالية:

1. التأوين الفعليّ، لما حمله المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، وما قدّمه الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” من تطلّعات إلى هويّة العلمانيّين ودعوتهم ورسالتهم وأهميّة إشراكهم في خدمة الكنيسة، وفي حمل الإنجيل إلى العالم.

2. إصدار إرشاد رعائيّ عامّ، يتناول الأبعاد المختلفة لمشاركة العلمانيّين في حياة الكنيسة ويعطي التوجيهات العمليّة لهذه المشاركة، سواء أكان بالنسبة إلى نشاطاتها أم إلى قراراتها وإداراتها ومؤسّساتها.

3. تفعيل التزام العلمانيّين في البنى الكنسيّة وذلك من خلال الإسهام في خدمة الكلمة والتعليم ونقل البشرى، والمشاركة في المجالس الرعويّة وهيئات الشؤون الاقتصاديّة والتنظيمات الكنسيّة، الروحيّة منها والرسوليّة، كالانخراط في ورشة العمل الليتورجيّ؛ وفي خدمة المرضى والفقراء؛ وفي إدارة الرعيّة؛ وفي العيش بروح المسيح، في قلب عائلاتهم وأعمالهم، إلخ.

4. إيجاد آليّة لإشراك العلمانيّين في إعداد القرار، على مستوى الأبرشيّة والرعيّة، والمؤسّسات الكنسيّة، وتوضيح العلاقة بين المجالس والهيئات، على اختلافها، وتفعيل عملها.

5. تعزيز مشاركة المرأة في حياة الكنيسة، على مستوى الرعيّة والأبرشيّة والبنى الكنسيّة، عامّة، التي تطول مختلف الخدمات والقطاعات.

6. تشجيع انتشار الحركات الرسوليّة العلمانيّة بالتنسيق مع اللجنة الأسقفيّة لرسالة العلمانيّين، في الرعايا والأبرشيّات، وتشجيع الكهنة على التنسيق مع الحركات الرسوليّة في رعاياهم مع المحافظة على خصوصيّة كلّ حركة واحترام نظامها، واستثمار طاقات أفرادها في تنمية الرعايا بغية تحويلها إلى خلايا حيّة، تضجّ بالحركة والنشاط.

7. إعداد برامج للتنشئة على مفهوم القيادة النابعة من روح الإنجيل، والتدريب على المهارات القياديّة الضروريّة لبث تعاليم المسيح والعيش بموجب تعليم الكنيسة الاجتماعيّ.

8. تأسيس رعويّة مهنيّة للعلمانيين، في قلب مهنهم، من خلال تأسيس جمعيّات مهنية كـ”جمعيّة سان إيف” مثلاً للمحامين يدافعون عن الأرملة واليتيم والمظلوم، و”جمعيّة القديس لوقا” للأطباء يخففون أعباء الطبابة “على هؤلاء الصغار”، و”تجمّع الديبلوماسيّين لمصالحة المتخاصمين بين الناس”، وتجمّع رجال الأعمال لتسهيل فرص عمل للعاطلين عنه، إلخ…

9. تشجيع المنظّمات الطلابيّة المسيحيّة وتجديدها، لكي تتمكّن من اجتذاب المراهقين، ومواجهة التيّارات الماديّة المختلفة التي تلاحق التلامذة وتهدّد بضياعهم.

10.  إيجاد آليّة لجمع الشباب المارونيّ المنتشر عبر العالم بهدف التعارف وتبادل الخبرات، وخلق فرص عمل وتعزيز روح الانتماء، وذلك، من خلال لقاءات دوريّة منظّمة مثل اليوم المارونيّ العالميّ للشباب، مخيمات صيفيّة، تبادل الأشخاص، وسواها.

ثانيًا: استراتيجيّة عمل

1. الاهتمام الجدّيّ بالتنشئة

  1. بادر قداسة البابا الوافدين إلى الجمعيّة الخاصّة من أجل لبنان في مجمع الأساقفة بقوله: “يحقّ لنا أن ننتظر من علمانيّين، حسنيّ التنشئة ومنسجمين مع نفوسهم، ربيعًا جديدًا للكنيسة في الألفيّة الثالثة”[31]. فلا يجوز أن يترك كلّ شيء – في الحياة الروحيّة والرسوليّة – للعفويّة المطلقة؛ فالتنشئة أساسيّة في كلّ عمل مسيحيّ جدّيّ وطويل الأمد لأنّها تعدُّ العلمانيّ الكفوء للقيام برسالته ودعوته وتشكّل أملاً كبيرًا للمستقبل. ولهذا يوصي المجمع:

أ. بأن تعمل الكنيسة المارونيّة جاهدةً على توفير تنشئة مستمرة، لأنّها تخدم النضوج في الإيمان، الذي ينمو نموّ الحياة، يومًا بعد يوم. وتتوجّه التنشئة، بشكل خاصّ، إلى المؤمنين الراشدين، حيث تدعو الحاجة إليها بإلحاح. ويمكن توفير هذه التنشئة، بواسطة مراكز التثقيف الدينيّ، ووسائل الإعلام المسيحيّ، والحركات الرسوليّة العلمانيّة وسواها، على أن تلحظ، أيضًا، أوقات تنشئة مشتركة، وتدريب متخصّص للعلمانيّين والكهنة، على العمل معًا، ضمن الأطر الرعويّة والكنسيّة الضروريّة.

ب. بأن تجهد الكنيسة لكي تكون التنشئة متنامية، تسعى إلى تثمير الرباط بالمعموديّة، إلى شخصنة الإيمان، والتغيير الداخليّ والعمل الجدّيّ والجهوزيّة لتقبّل هبات الروح القدس، وتفعيل هذه المواهب في حياة الإيمان، لتصل إلى كلّ إنسان، وكلّ الإنسان.

ج. بأن تعتمد في التنشئة أربعة سبل أساسيّة، مستقاة من حياتها عبر تاريخها: الإصغاء الواعي والديناميكيّ والطيّع لكلمة الله والكنيسة؛ ومزاولة الصلاة الفرديّة والجماعيّة؛ والإرشاد الروحيّ؛ والتمييز الروحيّ.

د. بأن تتضمن هذه التنشئة أبعادًا هامّة مثل التعرّف إلى الحياة الروحيّة؛ والتمكّن من العقيدة المسيحيّة ومواكبة تعاليم الكنيسة الجامعة والإرشادات الرسوليّة والرسائل البابويّة الخاصّة، وبيانات مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، ورسائل بطاركة الشرق الكاثوليك ورسائل البطريرك المارونيّ في المناسبات المختلفة، والنظرة المسيحيّة إلى المسائل الاجتماعيّة بحسب تعليم الكنيسة الإجتماعيّ والأخلاقيّ.

هـ. بأن تركّز التنشئة على البعد الرساليّ والرسوليّ وعلى أهميّة الحضور المسيحيّ في الشرق وفي العالم العربيّ.

و. بأن تقوم التنشئة على روح الشركة الكنسيّة وتفعيلها على مستوى العمل معًا ككنائس شرقيّة كاثوليكيّة ووضع الطاقات “معًا” في خدمة الملكوت.

ز. بأن تركّز على الانفتاح المسكونيّ على الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة والجماعات الكنسيّة المنبثقة عن حركة الإصلاح، علمًا أنّ تقاليد كنيستنا الشرقيّة تحمل الكثير من الانفتاح والاختلاط بين المؤمنين المسيحيّين على اختلاف انتماءاتهم.

ح. بأن تنشّئ أبناءها على حوار الحياة مع المنتسبين إلى ديانات أخرى مؤمنة بالله الواحد ولاسيّما الإسلام وتشجع على ذلك.

ط. بأن يبقى دور كاهن الرعيّة طليعيًّا وأساسيًّا في توفير الحدّ الأدنى من التنشئة والتوجيه لكي يتمكن أولاد رعيّته من مساعدته على تحقيق رسالته وعيش شهادتهم للمسيح.

2. الحثّ على المشاركة في الرسالة والقرار الكنسيّين

  1. إيمانا ًمنها بأهميّة الوحدة في التنوّع وبمفهوم الكنيسة – الشركة، تشدّد الكنيسة على ضرورة استثمار طاقات العلمانيّين وكلّ غناهم الروحيّ، ومؤهّلاتهم الفرديّة والجماعيّة للخدمة في الكنيسة والعمل في حقل الله. بهذا، يتحقّق الانتقال النوعيّ، للعلمانيّ، من مساعد ثانويّ، إلى “حجارة حيّة” في بناء الكنيسة، فتتحطّم الحواجز وترتفع الجسور “للعمل معًا”. وقد ظهرت فعاليّة هذه الشركة، على سبيل المثال، في الإعداد للمجمع الخاصّ من أجل لبنان، وفي سنة اليوبيل المقدّس كما في نشاطات كثيرة، قامت بها الكنيسة المارونيّة في الآونة الأخيرة.

السعي إلى تحقيق المشاركة بتفعيل العمل في المجالس الرعويّة والأبرشيّة وتكملته بالسعي إلى إنشاء خلايا “منظمَّة” للتحليل والتخطيط والمبادرة من علمانيّين أكفياء واختصاصيّين، لدرس الملفات والقضايا المطروحة، كلّ بحسب اختصاصه. وتكون هذه الخلايا في خدمة الهيكليّات الكنسيّة البطريركيّة والأبرشيّة فتضع الدراسات والأفكار والإقتراحات في متناول أصحاب القرار الكنسيّ بغية مواجهة الأوضاع والتحدّيات بدّقة ومعرفة، ومنعًا للإرتجال في قضايا غالبًا ما تكون مصيريّة. وقد تطرح هذه المسألة أمر اللجوء إلى أصحاب الاختصاص والخبرة ليكونوا في خدمة الكنيسة في هذا المجال.

3. تفعيل دور المجالس العلمانيّة الرسوليّة

  1. العمل لتشجيع المجلس الرسولي العلمانيّ المنبثق عن اللجنة الأسقفيّة لرسالة العلمانيّين وحثّه على متابعة توعية شاملة في كنائسنا لفهم هويّة العلمانيّين ودعوتهم ورسالتهم، وتنسيق أعمال الحركات الرسوليّة العلمانيّة العالميّة والمحليّة والسهر على الهويّة الكنسيّة لهذه الحركات في ضوء الإرشاد الرسوليّ “العلمانيّون المؤمنون بالمسيح”. ورعاية أيّام الشبيبة المحليّة والعالميّة، والسعي جاهدًا لإطلاق مشروع “رعويّة المهن” وحثّ المؤمنين على الإلتزام المسيحيّ في قلب عالم السياسة والإقتصاد والإجتماع…..

أ. تعميم اللجان الأبرشيّة لتنسيق عمل العلمانيّين المنتمين إلى الحركات والمنظمات الرسوليّة وأصحاب الإلتزام الشخصيّ.

ب. إيجاد مجالس وهيئات رسوليّة علمانيّة في كلّ أبرشيّة من الأبرشيات المارونيّة في العالم بهدف تشجيع العلمانيّين على الاضطلاع بدورهم ضمن آليّة تتيح لهم الحدّ الأدنى من حريّة التحرّك ضمن أبرشياتهم ورعاياهم.

ج. تنظيم المبادرات الموجودة بخاصّة على مستوى إلتزام العلمانيّين في البُنى الكنسيّة، والإفادة من خبرات النوادي الإغترابيّة في أميركا اللاتينيّة والمجالس العلمانيّة في الأبرشيّتين المارونيّتين، في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وفي أبرشيّة أوستراليا، لأنّها تقدّم نماذج هامّة للدور الفعّال الذي يستطيع العلمانيّون القيام به، للنهوض بالكنيسة، وإحداث تقدّم حقيقيّ في أدائها، وتعزيز انتشارها.

د. تأسيس دائرة خاصّة برسالة العلمانيّين ومهماتهم تعنى بقضاياهم، وتوفّر لهم المرافقة الضروريّة وتكون منبثقة عن الأمانة العامّة للبطريركيّة المارونيّة.

خاتمة

شجاعة الرجاء نحو “السماوات الجديدة والأرض الجديدة” (2 بط 3/13)

  1. في مسيرة المجمع البطريركيّ، فلنفتح قلوبنا وعقولنا على عمل الروح القدس، الحيّ والمحيي، لندخل في ديناميّة التجدّد، في الباطنيّ والحياتيّ. فنعمل، معًا بشجاعة الرجاء، في أبعادها الخمسة[32]: شجاعة القداسة، شجاعة التثقّف والتنشئة المتكاملة، شجاعة الشركة في الكنيسة، شجاعة المشاركة الفعّالة والمسؤولة، شجاعة الرسالة. هكذا، نلتزم “معًا، أمام الله، في سبيل الإنسان والمجتمع”[33]؛ ونمشي معًا، نحو المستقبل”[34] “هاءنذا أجعل كلّ شيء جديدًا” (رؤ 21/5).

 

توصيات النصّ وآليات العمل

الموضوع

التوصية

                          الآليّة

1- هويّة العلمانيّين ودعوتهم ورسالتهم.

 

1- يوصي المجمع بالتأوين الفعليّ لما حمله التقليد المارونيّ والمجمع الفاتيكانيّ الثاني والإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” من بلورة لهويّة العلمانيين ودعوتهم ورسالتهم وأهميّة مشاركتهم في خدمة الكنيسة وفي حمل الإنجيل إلى العالم إن على مستوى البطريركيّة والأبرشيّات أو على مستوى الرعايا المارونيّة في العالم.

 

1-أ: إصدار إرشاد رعائيّ عامّ من جانب مجلس المطارنة الموارنة يتناول الأبعاد المختلفة لمشاركة العلمانيين في حياة الكنيسة والمجتمع ويعطي التوجيهات العمليّة لهذه المشاركة في نشاطات الكنيسة وقراراتها وإدارتها ومؤسّساتها.

1-ب: تدريب العلمانيّين على مفهوم القيادة النابعة من الإنجيل والإفادة من الطاقات للمشاركة الفعّالة في حياة الكنيسة.

1-ج:التنسيق مع المجلس الرسوليّ العلمانيّ في لبنان والمجالس المماثلة في البلدان الأخرى كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.

2- الحركات والمنظّمات الرسوليّة.

 

2- يوصي المجمع المؤمنين، ولاسيّما أولئك المنتمين إلى حركات ومنظمات رسوليّة، بأن يجتهدوا في المحافظة على صلابة إيمانهم ورجائهم والشهادة له في جميع قطاعات العمل ومجالات الحياة.

 

2-أ: تشجيع انتشار الحركات والمنظّمات الرسوليّة في الرعايا والأبرشيّات، وحثّها على الإلتزام بحياة الرعيّة، وتجنيد طاقاتها لتحويلها إلى خلايا حيّة في الكنيسة والمجتمع.

2-ب: العمل على مواكبتها روحيًّا وتأمين المرشدين لها.

2-ج: ينظر الأساقفة المحليّون، بالتعاون مع اللجنة الأسقفيّة لرسالة العلمانيّين، في مدى ملاءمة المنظّمات الرسوليّة الجديدة الآتية من الخارج لحاجات كنيستنا الروحيّة وتقاليدها، وفي الفائدة الرعويّة منها، قبل السماح لها بدخول الأبرشيّات وبالانثقاف في روحانيّتنا.

2-د: تشجيع المنظّمات الطلابيّة المسيحيّة وتجديدها لكي تتمكن من إجتذاب الشبيبة.

2-هـ: تأسيس راعويّة مهنيّة للعلمانيين في قلب مهنهم من خلال تأسيس جمعيات مهنيّة، كـ “جمعيّة سان إيف” للمحامين، و”جمعيّة القديس لوقا” للأطباء، ورابطة الممرضات المسيحيّات، و”تجمّع الدبلوماسيّين لمصالحة المتخاصمين بين الناس”، وتجمّع رجال الأعمال، ورابطة الجامعيين والخريجين.

3- الحركات المارونيّة الروحيّة والثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وهويّة الكنيسة المارونيّة.

 

3- يدعو المجمع جميع الحركات المارونيّة الخاصّة بالعلمانيّين وجميع الملتزمين فيها إلى العمل معًا وتنسيق النشاطات لكيّ تتماشى مع هويّة الكنيسة المارونيّة وانتشارها عبر العالم.

 

3-أ: تأسيس دائرة خاصّة برسالة العلمانيّين ومهمّاتهم للإهتمام بقضاياهم وتوفير المرافقة الضروريّة لهم، على أن تكون منبثقة من الأمانة العامّة للبطريركيّة المارونيّة.

3-ب: تعزيز النوادي والمجالس العلمانيّة في أبرشيّات الانتشار وإنشاؤها حيث تدعو الحاجة، وذلك إفساحًا في المجال أمام العلمانيّين للقيام بدورهم في الكنيسة وتوعية الأجيال على غنى التاريخ والتراث المارونيّ.

3-ج: إنشاء مجلس مارونيّ عامّ يضمّ ممثلين عن الحركات المارونيّة الروحيّة والثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة القائمة بغية تنسيق العمل في ما بينها وفقًا لتوجيهات الكنيسة.

4- تنشئة مرشدين روحيّين.

4- يوصي المجمع الأساقفة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات بتأمين الإعداد والتنشئة لمرشدين ومرشدات روحيّين يرافقون الجمعيّات الرسوليّة ويؤمّنون التعليم والتنشئة الضروريَّين للمسؤولين والأعضاء فيها، ويرافقون الأسرى في السجون والإصلاحيّات والمرضى في المستشفيات، لاسيّما ذويّ الحالات المستعصيّة.

4-أ: إنشاء فرع خاصّ في الجامعات لتأهيل المرشدين من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيّين.

4-ب: تُقدّم الأبرشيّات والرهبانيّات مرشدين مؤهلين لمرافقة هذه المؤسّسات.

 

 

 


1. راجع مجلّة المنارة، 224 (1983) العدد الأوّل، وهو عدد مخصّص لدراسة المجامع المارونيّة منذ المجمع الأوّل سنة 1557 حتى المجمع البلديّ، في بكركي، سنة 1856.

2. Michel HAYECK: Liturgie Maronite, Paris, 1963, p.10 حيث يشير إلى أنّ المؤرخ تيودوريطس يذكر وجود 250 إمرأة بين تلاميذ مار مارون.

3. بطرس ضو، تاريخ الموارنة، ج4، ص 188.

4. المجمع اللبنانيّ، القسم الرابع، الباب الرابع: “في أخويات العوام”، والباب السادس: “في المدارس والدروس”.

5. خاصة تداخل السياسة في الشؤون الكنسية والكثير من التجاذبات الإقطاعية في إنتخاب البطريرك أو التآمر عليه وخلعه أحياناً:

«Aucun clerc, ni aucun laïque ne peut se mêler de l’élection patriarcale…De même que les clercs et les laïques ne peuvent former des conjurations contre les évêques, ceux-ci ne peuvent conspirer contre le patriarche. Le patriarche n’est justiciable que du Pape » Synode du Mont Liban. Plan et extraits. Pp.557-558 in MOUBARAC Youakim. Pentalogie Antiochienne/domaine maronite. Beyrouth. Édition Cénacle Libanais 1984.

6. ويعود ظهور هذه المؤسسة «Congregatio Beatae Virginis ou Mariae» إلى سنة 1563 في مدرسة روما وهي كانت في لبنان من أولى المؤسّسات (جماعات صلاة وتقوى وخدمة راعوية وتضامن اجتماعيّ) وهي ما تزال تتجدّد خاصّة مع ظهور الفرق المتخصّصة بالشبيبة كفرسان العذراء والزنابق والطلائع وجماعات الحياة المسيحية CVX…..

7. يتناول الفاتيكانيّ الثاني العلمانيين في دساتير وقرارات: “الدستور العقائديّ في الكنيسة” أو “المسيح هو نور الشعوب” (1964)، (الفصل الرابع، عدد 30-38)؛ الدستور الراعويّ: “الكنيسة في عالم اليوم” أو “فرح ورجاء” (1965) (في مواضيع متعدّدة)؛ “القرار” في “رسالة العلمانيين”: “تكثيف النشاط الرسوليّ” (1965)، وهو يكمّل القرارات التي تتناول “مهمّة الأساقفة الراعويّة في الكنيسة” و”خدمة الكهنة الراعوية وحياتهم” و”التجديد الملائم للحياة الرهبانيّة”؛ والقرار في “نشاط الكنيسة الإرساليّ” (1965) الذي يتناولهم تخصيصًا في العدد 21.

8. الوثائق المجمعيّة، الدستور العقائديّ “نور الأمم”، فقرة 31، بيروت 1991.

9. المجمع المسكوني الفاتيكانيّ الثاني، دستور عقائديّ في الكنيسة، عدد 34.

10. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، دستور عقائديّ في الكنيسة، الفصل الرابع عدد 30 و31.

11. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، دستور عقائديّ في الكنيسة، الفصل الرابع عدد 33.

12. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قرار مجمعيّ في خدمة الكهنة الراعويّة وحياتهم، عدد 9.

13. الإرشاد الرسوليّ العلمانيّون المؤمنون بالمسيح، افتتاحيّة عدد 3.

14. من خلال وثائق المجمع الفاتيكانيّ الثاني ورسائل البابا وبشكل خاص كرامة المرأة.

15. الإرشاد الرسوليّ العلمانيون المؤمنون بالمسيح، عدد 51.

16. المرجع ذاته عدد 1.

17. المرجع ذاته عدد 45.

18. المرجع ذاته عدد 10.

19. المرجع ذاته عدد 45.

20. الإرشاد الرسوليّ رجاء جديد للبنان، عدد 50.

21. خاصة عبر جماعات التعليم المسيحيّ (في الرعايا) وجماعات رعاية العيلة كفرق السيّدة….

22. نذكر في بلاد الانتشار على سبيل المثال لا الحصر: 

The National Apostolate of Maronites, Order of Saint SHARBEL,

The Maronite Youth Organization, Knights of Kannoubine, …

23. يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسوليّ العلمانيّون المؤمنون بالمسيح، الفقرة 30: أ.ك.ر. 81 (1989)، ص 446 ـ 448. ويوحنّا بولس الثاني، الإرشاد الرسوليّ رجاء جديد للبنان الفقرة 74.

24. يوحنّا بولس الثاني: الرسالة الجامعة، الرساليّة الكبرى REDEMPTORIS MISSIO 1990، الفقرة 27.

25. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، القرار في رسالة العلمانيّين، الفقرة 23.

26. خاصّة في الإرشاد الرسوليّ الاهتمام بالشأن الاجتماعيّ والسنة المئة.

27. رجاء جديد للبنان، عدد 112.

28. المرجع ذاته، عدد 113.

29. المرجع ذاته، عدد 113.

30. المرجع ذاته، عدد 113.

31. Angelus du 10 décembre 1995, durant le déroulement du Synodus Episcoporum/Coetus Specialis pro libano 26 novembre-14 décembre 1995.

32. من مداخلة الكردينال برونيو PIRONIO في المجمع الخاصّ من أجل لبنان.

33. الرسالة الراعوية الثالثة لبطاركة الشرق الكاثوليك، معًا أمام الله في سبيل الإنسان والمجتمع، بكركي 1994.

34. الرسالة الراعوية السادسة لبطاركة الشرق الكاثوليك، معًا نحو المستقبل، بكركي 1999.