ثلاث محطات في مسيرتنا الروحية نختبر فيها حضور الثالوث الأقدس، نلتقي فيها بالمسيح يسوع، وتطبع في ذاكرتنا وتبقى في قلوبنا حتى الممات. أول هذه المحطات هي الدعوة للخروج من “العبودية” الى “أرض الميعاد”.
1- العبودية: حين لم يكن الله أولوية في حياتنا كنا نعيش في العبودية، العبودية لشهواتنا وأنانيتنا، لعاداتنا السيئة وإدماننا، لوحدتنا ويأسنا، لكآبتنا وضيقنا، لمخاوفنا وحاجاتنا.
أشبّه “العبودية” التي نمرّ بها بالعبودية التي اختبرها شعب الله المختار في أرض مصر:
وقام ملك جديد على مصر لم يعرف يوسف. فقال لشعبه: “ها إن شعب بني إسرائيل أكثر وأعظم منا. تعالوا نحتال عليهم كيلا يكثروا، فيكون أنهم، إذا وقعت حرب، ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من هذه الأرض”. فأقاموا عليهم وكلاء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم. فبنوا لفرعون مدينتي خزن وهما فيتوم ورعمسيس. وكانوا كلما أذلوهم يكثرون وينتشرون، حتى تخوفوا من وجه بني إسرائيل. فأستخدم المصريون بني إسرائيل بقسوة، وأذاقوهم الأمرين بعمل شاق، بالطين واللبن وسائر الأعمال في الحقل، وكل ما عملوه عن يدهم كان بقسوة (سفر الخروج 1 : 8 – 14).
2- الصراخ لله: وفي النهاية لا بدّ من التنهّد من عبوديتنا والصراخ الى الله والله يسمع صوت صراخنا:
كان شعب الله يتنهّد من عبوديته في مصر. فصرخ وصعد صراخه الى الله من العبودية. فسمع الله أنينه وذكر عهده مع الآباء ( خروج 2: 23).
3- دعوة الله: حين صرخنا الى الله في ضيقنا، نظر إلينا وأحبنا ودعانا لنخرج من الماضي نحو المستقبل، من الظلمة الى النور، من الموت الى الحياة، من العبودية الى الحرية. فاشتعل قلبنا بحبه ورغبتنا في اتباعه. ورأينا وعاينّا علامات حضوره القوية في حياتنا:
تراءى ملاك الرب لموسى في لهيب نار من وسط عليقة. فنظر فإذا العليقة تشتعل بالنار وهي لا تحترق. فقال موسى في نفسه: “أدور وأنظر هذا المنظر العظيم ولماذا لا تحترق العليقة”. ورأى الرب أنه قد دار ليرى. فناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى موسى”. قال: هاءنذا. قال: لا تدن إلى ههنا. اخلع نعليك من رجليك، فإن المكان الذي أنت قائم فيه أرض مقدسة. وقال” أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب”. فستر موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله. فقال الرب: “إني قد رأيت مذلة شعبي الذي بمصر، وسمعت صراخه بسبب مسخريه، وعلمت بآلامه، فنزلت لأنقذه من أيدي المصريين وأصعده من هذه الأرض إلى أرض طيبة واسعة، إلى أرض تدر لبنا حليبا وعسلا. والآن هوذا صراخ بني إسرائيل قد بلغ إليّ، وقد رأيت الظلم الذي ظلمهم به المصريون. فالآن، اذهب! أرسلك إلى فرعون. أخرج شعبي بني إسرائيل من مصر” ( خروج 3: 1-12).
إشبّه هذه المسيرة من العبودية الى دعوة الله لنا لنخرج، بمسيرة برطيماوس الأعمى (مرقس 10 : 46 – 52):
1- “العبودية”: كان ابن طيماوس (برطيماوس)، وهو شحاذ أعمى، جالسا على جانب الطريق.
2- الصراخ لله: فلما سمع بأنه يسوع الناصري، أخذ يصيح: “رحماك، يا ابن داود، يا يسوع !” فانتهره أناس كثيرون ليسكت، فصاح أشد الصياح: “رحماك، يا ابن داود !”.
3- دعوة الله: فوقف يسوع وقال: “ادعوه”. فدعوا الأعمى قالوا له: “تشدد وقم فإنه يدعوك”.
حين يدعوك الربّ بقوة حضوره، يشتعل قلبك بحبّه وتمتلئ بالرغبات المقدّسة (القداسة والكمال وخلاص النفوس)، ويجتاحك الشوق لتعرف يسوع أكثر (قراءة الكتاب المقدّس وممارسة الأسرار أي القداس والاعتراف) وتبدأ في البحث عن المكان الذي ينمو فيه إيمانك (الحياة الرهبانية أو الإكليريكية أو جماعة علمانية كنسية أو رعية تلتزم فيها).
لنصلّي من أجل جميع الدعوات للحياة المكرسة أو الحياة الزوجية. من أجل جميع الأشخاص الذين اشتعلت قلوبهم بحبّ الله، لكي يجدوا المكان المناسب لتقديس حياتهم. إنّه الربّ يدعوك.