المحطة الثانية في مسيرتنا الروحية التي نختبر فيها حضور الثالوث الأقدس، نلتقي فيها بالمسيح يسوع، وتطبع في ذاكرتنا وتبقى في قلوبنا حتى الممات، هي الإرتداد.
1- اليبوسة الروحية أو الليل المظلم: بعد الخروج من “العبودية”، من حالتنا القديمة، تلاحقنا خيالات الماضي وتحاول إعادتنا الى العبودية. ولكن بثقتنا بالله نستطيع اجتياز تجارب الجسد والشيطان والعالم لأن من يضع يده على المحراث لا يلتفت الى الوراء. فلا تراجع عن خيار القداسة. ولكن بسبب نقائصنا يدخلنا الله في الليل المظلم لكي يطهّرنا فنختبر اليبوسة الروحية وقساوتها و لا نقدر تصوّر الله في عقلنا ولا تحسس حضوره في حياتنا. إنها الصحراء التي تشبه الصحراء التي مرّ بها شعب الله المختار:
فساروا ثلاثة أيام في البرية ولم يجدوا ماءً. فوصلوا الى مارة فلم يطيقوا أن يشربوا من مياهها لأنها مرّة. فتذمّر الشعب على موسى وقال: “ماذا نشرب؟” فصرخ موسى الى الربّ، فأراه الرب خشبةً فألقاها في الماء فصار عذباً (خروج 15: 22-27). وفي هذه الصحراء أعطاهم الرب خبزاً من السماء ليأكلوا.
2- البحث عن المخلّص: بعد إختبار “الصحراء” لسنوات عديدة، تبدأ النفس في البحث عن المخلّص، عن آخر يحمل أثقالنا، عن التوبة الحقيقية. فالهدف من اليبوسة الروحية هو أن نصل الى التوبة ومعرفة الذات البائسة ومعرفة الله العظيم:
فقال موسى للرب: “لم أسأت إلى عبدك، ولم لم أنل حظوة في عينيك، حتى ألقيت علي عبء هذا الشعب كله، ألعلي أنا حملت هذا الشعب كله، أم لعلي ولدته حتى تقول لي: احمله في حضنك، كما تحمل الحاضن الرضيع، إلى الأرض التي أقسمت لآبائه عليها؟ من أين لي لحم أعطيه لهذا الشعب كله، فإنه يبكي لدي ويقول: أعطنا لحما فنأكله. لا أطيق أن أحمل هذا الشعب كله وحدي، لأنه ثقيل علي (عدد 11 : 12 – 14). فقال الرب لموسى: “اجمع لي سبعين رجلا من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وكتبتهم، وخذهم إلى خيمة الموعد، فيقفوا هناك معك. فأنزل أنا وأتكلم معك هناك وآخذ من الروح الذي عليك وأحله عليهم، فيحملون معك عبء الشعب ولا تحمله أنت وحدك (عدد 11 : 16 – 17). توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات” (متى 3 : 2). من دون التوبة لن نستطيع أن نفهم رسالة المسيح، لذلك كان يوحنا المعمدان يهيئ الطريق أمام المسيح من خلال الدعوة الى التوبة الحقيقية.
“وإذا بامرأة خاطئة كانت في المدينة، علمت أنه على المائدة في بيت الفريسي، فجاءت ومعها قارورة طيب، ووقفت من خلف عند رجليه وهي تبكي، وجعلت تبلّ قدميه بالدموع، وتمسحهما بشعر رأسها، وتقبّل قدميه وتدهنهما بالطيب (لوقا 7 : 37 – 38). فقال لها الرب يسوع: “غفرت لكِ خطاياك… إيمانك خلّصك فاذهبي بسلام.” (لوقا 7 : 48 – 50).
3- الإرتداد: الإستسلام ليسوع المسيح من خلال إعتراف شامل، التوبة الحقيقية بعد مسيرة طويلة في الصحراء، هو الذي ينهي العهد القديم من حياتنا وهو المدخل الى العهد الجديد: “
أشبّه هذه المسيرة من اليبوسة الى الارتداد، بمسيرة برطيماوس الأعمى (مرقس 10 : 46 – 52):
1- اليبوسة الروحية: فألقى برطيماوس عنه رداءه.
2- البحث عن المخلّص: ووثب وجاء إلى يسوع.
3- الإرتداد: فقال له يسوع: “ماذا تريد أن أصنع لك ؟” قال له الأعمى: “رابوني، أن أبصر”. فقال له يسوع: “اذهب ! إيمانك خلصك”.
حين ترتدّ الى الربّ بقوة حضوره، تدرك طبيعتك البائسة (المليئة بالنقائص) وتتخشّع أمام عظمة الله وتكتشف هويتك الحقيقية أنك خاطئ ولكن محبوب من الربّ. هذا هو الخروج من العهد القديم عهد الشرائع والدخول الى العهد الجديد عهد المحبة.
لنصلي من أجل المتعبين والمثقلين بالأحمال لكي يقتربوا من يسوع ويستسلموا له بكليتهم. إنه الرب يغفر لك.