21 نيسان 2011
“إصنعوا هذا لذكري” 1. بعد أن أنشأ الرب يسوع ليلة آلامه وموته، سرَّ القربان، لكي يجعل ذبيحة صلبه لفداء الجنس البشري، ووليمة جسده ودمه لحياة الانسان، حاضرتَين في حياة الكنيسة، بتأوين الآن وهنا، أسّسَ سرَّ الكهنوت لكي بواسطة خدمة الكهنة يحقِّق هذه الذبيحة وهذه الوليمة، بقوله: “إصنعوا هذا لذكري”. ثم قام الرب وغسل أرجُلَ التلاميذ، كهنةِ العهد الجديد، وأقامهم بذلك خدّاماً لمحبَّتِه بتواضعٍ دائم. يحتفل الكهنة اليوم بعيد تأسيسهم، والجماعة المسيحية بعيد فدائها وتبريرها، والكنيسة بعيد ميلادها من سرِّ الافخارستيا صانعها. وكلهم أضحوا في حالة البذل والعطاء. يسعدنا أن نحتفل الليلة بهذا العيد المثلث مع خريجي وجريجات ثانويات الراهبات الانطونيات. 2. ماذا صنع يسوع الرب في مثل هذا اليوم الأخير من حياته التاريخية، قبل فصحه عابراً من عالمنا إلى الآب بموته وقيامته، وتركه لنا وصية وطريقاً لفصحنا وعبورنا؟ في عشائه الفصحي الأخير، أخذ يسوع خبزاً وقال: “خذوا كلوا منه جميعكم هذا هو جسدي يُبذَلُ لأجلكم”. ثم أخذ كأس الخمر وقال: “خذوا اشربوا منها جميعكم هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُراقُ من أجلكم ومن اجل الكثيرين لمغفرة الخطايا”.(مر 14/22-24؛ متى 26/26-28؛ لو 22/19-20؛ 1 كور 11/24-25). يسوع، حملُ الفصح الجديد، أعطى ذاته مرةً ذبيحة فداء عن الجنس البشري بأسره، ووهبه ذاته تحت شكلَي الخبز والخمر، وليمة سماوية للإنسان من أجل حياة العالم، لكن الذبيحة والوليمة مستمرّتان في القداس المعروف بالليتورجية الإلهية، كلَّ مرة يُقيمها كاهن على مذابح الأرض. من اجل خطايا كلِّ إنسان على مرِّ العصور، يُقدِّم ذاته ذبيحة فداء، ومن اجل تبرير كلِّ إنسان بالحياة الجديدة، ويُقدِّم وليمة جسده ودمه القربانية. هذا ما أوصى به الكهنة ليصنعوه لذكره. 3. عندما يقول الكاهن بلسان المتكلِّم ما قاله يسوع، يكون المسيح الكامل، الرأس مع الجسد هو الذي يتكلَّم. فعبارة “إصنعوا هذا لذكري” تصبح “إصنعوا أنتم بدوركم ما صنعت أنا”، أي أبذلوا ذواتكم مثلي في سبيل الاخوة! إشهدوا لمحبتي في البذل والتفاني والعطاء. إغفروا وسامحوا وتصالحوا، عيشوا في الشركة والمحبة. 4. في إطار إنشاء سرِّ القربان وتأسيس سر الكهنوت قام يسوع بعمل نموذجي، فغسل أرجل التلاميذ المرسومين كهنة للعهد الجديد القرباني. وأراد بذلك علامة ودعوة. أما العلامة فهي أنهم أصبحوا أنقياء بنعمة الغفران وقد غسلهم بدمه وبنعمة الحياة الجديدة التي تناولوها في وليمة جسده الافخارستي، وأنَّ نصيبهم في الخلاص والمشاركة بكهنوت المسيح مرتبط بهذه التنقية، على ما قاله الرب لبطرس: “إذا لم أغسلك، فليس لك نصيبٌ معي”.(يو 18/8). أما الدعوة فلكي يصنعوا بعضهم لبعض ما صنعه هو، أي الخدمة بكلِّ ما تقتضي من تواضع وامِّحاء: “لقد أعطيتكم بهذا مثالاً، فكما صنعت لكم، تصنعون أنتم أيضاً”.(يو 13/15). هذا هو الكهنوت في جوهره ورسالته. 5. في هذه الليلة المقدسة يقوم المؤمنون والمؤمنات بمبادرتَين: زيارة سبع كنائس، والسهر أمام القربان المقدَّس المعروض على مذبحٍ خاص. المبادرة الأولى إحياء ذكرى الأسرار السبعة التي أسسها المسيح الرب، في ذاك الخميس المسمَّى “خميس الأسرار”. الأسرار كلها تنبع من سرِّ القربان، ويصنعها سرُّ الكهنوت. في هذه الزيارة نجدِّدُ إيماننا بينابيع خلاصنا، ونلتزم بالانفتاح على هذه الينابيع بممارستها، ولاسيما في سرَّي التوبة والقربان. والمبادرة الثانية إحياء ذكرى ليلة “الخميس-الجمعة” التي قضاها يسوع في بستان الزيتون بالصلاة والألم والحسرة والدموع، وبتسليم الذات كاملةً لمشيئة الآب. نذكر في هذه الليلة كل المتألمين في أجسادهم وأرواحهم ونفوسهم، الذين هم في “سهر” دائمٍ مع المسيح المتألم من أجل الكنيسة. 6. أيها الطلاب الأحباء في ثانويات الراهبات الانطونيات في لبنان، وأنتم الاثنا عشر المُختارون لدور تلاميذ يسوع. أحييكم شاكراً على مُشاركتكم مع الكهنة معلميكم الاخوات الراهبات والهيئة الإدارية والتعليمية والأهل. أرجو أن تعودوا إلى بيوتكم وحقلِ عملكم ومدرستكم، جاعلين من ذواتكم قرابين عطاء في العائلة والمجتمع والوطن، وقد أهَّبتكم المدرسة لذلك ثقافيّاً وروحياً وخلقياً. وبالمناسبة، أُعرب لكم ولجميع الحاضرين عن أخلص تمنياتي بالفصح المجيد. |
رسالة البطريرك الراعي للكهنة الأبرشيين والرهبان لمناسبة خميس الأسرار
(منقولة عن موقع إذاعة الفاتيكان-21 نيسان 2011)
وجه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي رسالة للكهنة الأبرشيين والرهبان، أبناء الكنيسة المارونية، احتفالا بخميس الأسرار قال فيها: “إنكم حول أساقفتكم تجددون التزامكم بمواعيد الكهنوت المقدس، لتكونوا علامة حضور المسيح وسط الجماعة. كمعلمين للعقيدة، تجدّدون وقف حياتكم على درس كلمة الله وتسليمها صافية للمؤمنين، كرازة وتعليما وإرشادا، من أجل إحياء الإيمان وتثقيفه ليصبح حضارة حياة ويندرج في ثقافات الشعوب. كخدّام التقديس ووكلاء أسرار الله، تجدّدون وجه الكاهن القائم في الوسط، بوساطة المسيح الوحيدة، تتوجّهون إلى الله باسم الشعب، وإلى الشعب باسم الله. إنّكم كهنة التشفّع من أجل الناس، وكهنة التسبيح لله، ومؤتَمَنون على تقديس ذواتكم وأبناء رعاياكم بنعمة أسرار الخلاص الموكولة إلى عنايتكم.
أضاف البطريرك الراعي: كرعاة لشعب الله بمحبة الراعي الصالح، تجدّدون وعدكم بحمل محبة المسيح إلى جميع الناس، وبتجسيدها، خارجة من قلبكم الكهنوتي، بالكلمة والفعل، بالمسلك والموقف، في شركة تامة مع أساقفتكم والجسم الكهنوتي. بهذه الصفة تسهرون على أبناء رعيتكم وبناتها كمدبّرين حكماء، متفانين في سبيلهم، باذلين ما ينبغي من الوقت لزيارتهم والوقوف على حاجاتهم، ومعتنين عناية خاصة بالضعفاء والمرضى والمعوقين، بالفقراء والمعوزين والمظلومين. فهؤلاء هم كنوز المسيح والكنيسة والكاهن.
وختم البطريرك الماروني رسالته قائلا: “بروح الشركة والمحبة تخشعون في هذا اليوم، خميس الأسرار، مع أبناء رعاياكم أمام سرّ المحبة الذي تفجّرت منه ينابيع الأسرار الخلاصية، لتكونوا، ونحن معكم، شهودا في كهنوتنا المقدس لهذه المحبة التي وحدها تنعش العائلة والكنيسة، المجتمع والوطن، بل وحدها تحيي العالم وتعطي معنى للوجود والتاريخ”.