يُحكى عن سيدة ٍ مؤمنة محبة بعد أن كبر اولادها وتزوجوا وخرجوا من البيت شعرت نوعا ً بالوحدة وبنفس الوقت احست انها ما زالت قادرة على العطاء وتقديم العناية فارادت ان تسكب ما في قلبها من محبة ٍ على من هم بحاجة ٍ الى ذلك ففكرت بأن تتبنى طفلا ً يحتاج الى محبتها وعطفها وعنايتها . ذهبت يوما ً الى احد ملاجئ الايتام وطلبت ان تتبنى طفلا ً ، فرح بها جدا ً العاملون هناك واسرعوا بها الى العنبر حيث الاطفال موجودين . عندما رآها أولئك الاولاد المساكين وعرفوا انها تريد ان تختار واحد ا ً منهم ، نهض كل واحد من فراشه والتفوا جميعهم حولها وكان الكل يحلم ُ ويتمنى بأن يقع اختيارها عليه ِ لكي يخرج من ذلك المكان ويصبح ابنا ً لها . لكن واحدا ً من أولئك الاطفال لم يتحرك من سريره ولم يأتي اليها . استغربت السيدة ذلك وسألت عن السبب فاقترب منها احد العاملين هناك وهمس في اذنها قائلا ً : هذا الولد مصاب ٌ بشلل الاطفال ولا يستطيع التحرك من سريره . عندها اجابت بصوت ٍ مرتفع : هذا هو الطفل الذي اريد ان اتبناه . شعرت ان هذا الطفل اليتيم المسكين والمهمل هو الذي يحتاج اكثر الكل الى عنايتها ورعايتها فحملته بكل رفق ٍ وحب ٍ وذهبت به الى بيتها حيث تربى وترعرع في جو ٍ من المحبة والحنان الى ان اصبح شابا ً . يوما ً من الايام هبت عاصفة ٌ شديدة جدا ً في المنطقة التي كانا يعيشان فيها ، وفي نصف الليل بينما كانت السيدة نائمة في سريرها كان الشاب ما زال ساهرا ً وهو جالس في كرسيه المتحرك ، فجأة ً ازدادت حدة العاصفة وكادت النافذة المفتوحة مقابله تتحطم وشعر بالخطر الشديد خاصة ً على امه العجوز التي كانت قد تبنته ُ وربته ُ بكل محبة ٍ واهتمام ، عندها احس بدافع ٍ شديد ٍ لكي يعمل شيئا ً يستطيع به ان ينقذ من انقذته بحبها وعطائها ، وفي تلك اللحظة العجيبة وجد نفسه واقفا ً على رجليه ِ ثم سار نحو الشباك فاغلقه وانقذ نفسه ُ ووالدته من الخطر المحتّم . لقد شُفي ذلك الشاب في تلك الليلة بمعجزة ٍ الهية . مرت الايام واصبحت تلك السيدة الطيبة عجوزا ً تجلس في مقعدها المتحرك واصبح الابن المتبنى يغمرها بنفس المحبة التي غمرته بها ويعتني بها كما اعتنت هي به وهكذا راحت تحصد في شيخوختها ما زرعته في شبابها .
ماذا تزرع أو ماذا زرعت في علاقاتك ومعاملاتك العائلية ؟ ماذا تزرع من خلال تصرفاتك في حياة كل من هم حولك ؟ واهم الكل ماذا تزرع لابديتك ؟
(الأخ إيلي مطر)