مقدّمة
- للبطريرك والأساقفة في كنيستنا المارونيّة مكانة كبرى مرتبطة من جهة بتكوين الكنيسة وما نشأ من علاقات وثيقة بيّنهم وبين الشعب، ومن جهة ثانية بالأسس التي تبنى عليها الكنيسة بصورة عامّة.
ولقد استفاضت نصوص المجامع المسكونيّة والأبحاث اللاهوتيّة والمجامع الأسقفيّة بتناول هذا الموضوع من جوانبه المتعددة، لاهوتيًّا وراعويًّا وروحيًّا. وفي العودة إلى هذه المراجع كبير فائدة.
غير إنّنا في سياق مجمعنا البطريركيّ، وأمانةً منّا للمنهجيّة المعتمدة، ونظرًا إلى دور البطريرك والأساقفة في عمليّة التجدّد التي يهدف إليها هذا المجمع، كان لا بدّ من التطرّق الى هذا الموضوع، إنطلاقًا من تاريخنا وتراثنا مرورًا بالحاضر، بغية استشراف المستقبل. علمًا أنّ التجدّد عمل دائم يخضع لما يوحيه روح الربّ، ولما يتّخذه الإنسان من مواقف ويقوم به من أعمال تتلاءم وهدف الرسالة والمهمّة الموكولتين إليه. ولقد أسهبت كتبنا الطقسيّة، ولاسيّما كتاب الرّسامات، في وصفها.
الفصل الأوّل : البطريرك والأساقفة في التقليد والتراث المارونيّ
- إنّ هويّة الكنيسة البطريركيّة التي عالجها الملف الأوّل في مجمعنا أظهرت بوضوح كامل محوريّة البطريرك ومرجعيته في وسط شعبه، إكليروسًا وعلمانيّين. كما أنّ نمط الحياة الذي أتّبعه البطريرك والأساقفة، اتّسم بطابع الصلاة والزهد والتقشّف والسهر على أبناء الرعيّة، ترسيخًا لعقيدتهم وتمرّسًا بإيمانهم، تعبدًّا ونزاهة مسلك. وإذا كانت المحبّة الراعويّة هي ميزة أساسيّة في حياة الأسقف، فكيف تبدّت هذه المحبّة من خلال ما وصل إلينا من تراث، وخاصة في الكتب الطقسيّة، مميزين لمزيد من الإيضاح، بين صورة البطريرك وصورة الأساقفة، ومنطلقين من مصدرين يرتبط أحدهما بكتاب الرسامات والآخر بتكريس الميرون.
أوّلاً: البطريرك
1. اختيار البطريرك وصفاته
- إنّ رتبة رسامة البطريرك، كما وردت في مخطوط بكركي[1] تربط الاختيار والانتخاب في سياق التاريخ وعلاقة الله مع شعبه وبنيان الكنيسة. فكما اختار الله إبراهيم ودعا موسى، واختار الرسل، يُختار البطريرك بقوّة الروح القدس. وهذا ما يبدو جليًّا منذ بداية الرتبة، عندما يقول رئيس المجمع: “الروح القدس يدعوك أن تكون بطريركًا أيّ أبا الرؤساء على مدينة أنطاكية العظمى ولسائر ولاية الكرسيّ الرسوليّ، أعني أبًا لجميعنا”، فيجيب المنتخب: “إني أطيع وأقبل جميع الأوامر الرسوليّة والمجامع المقدّسة الملتئمة بالروح القدس بالبرّ والعدل والأمانة القويمة بربّنا يسوع المسيح”[2].
وتشدّد صلوات الرّتبة على دور الروح القدس الذي ألهم آباء المجمع لاختيار أحدهم دون سواه، ويستدعونه مرارًا ليحلّ عليه ويؤيّده ليقوم بمهامه خير قيام، مستعيدين في القراءات الأحداث التي برز فيها دور الروح القدس في بداية الكنيسة: حلوله على الرسل في العنصرة، واختيار متيّا خلفًا ليهوذا، وإقامة الشمامسة.
- كما تُتلى المقاطع الكتابيّة التي تبيّن الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المختار: مناشدة بطرس للرعاة حتى يسهروا على القطيع وفق مشيئة الله بكلّ نشاط[3]، ووصايا بولس لتيموتاوس يحثّه فيها على الأمانة والقداسة وعدم المحاباة. وتتجلّى هذه الصفات بنوع خاص في صلاة السَدر التي تستدعي الروح القدس على المنتخب الذي “يقبل موهبة الحبريّة العظمى، ليكون مدبّرًا صالحًا وقيّمًا حريصًا وراعيًا صالحًا”. ويصلّي المحتفل، رئيس المجمع، الى الربّ حتى “يزيّن المنتخب بالقداسة والطهارة، ونقاوة الروح والسّيرة الصالحة والتواضع…”[4].
وعندما يضع الأساقفة المحتفلون أيديهم على رأس البطريرك المنتخب يسألون الله لكي يحلّ عليه الروح القدس “ليرعى ويفتقد الخراف التي أؤتمن عليها… وامنحه ما منحت رسل ابنك الوحيد لكيّما يكون رأس رؤساء، ممجّد… لتثبيت شعبك وخراف ميراثك وأعطه الحكمة والمعرفة، ليعرف مسرّة سيادتك… وحدود البرّ والحكم ويفكّ المشكلات العويصة وكلّ رباط الإثم”[5]، “وكمّله بالحبّ والمعرفة، والخبرة وبالأدب، بالكمال، بالنشاط، بالقلب النقيّ، ويصلّي من أجل الشعب…”[6].
- إنّ المنتخب يتعهّد خطيًّا أمام الجميع بالاعتراف بالإيمان الصحيح والتقيّد بالقوانين الرسوليّة ورسوم المجامع المقدّسة والشراكة مع الأحبار القدّيسين الذين توالوا على الكراسي البطريركيّة، والخضوع للجالس على كرسيّ روما.
وهذا التعهّد يدرج البطريرك في التسلسل الرسوليّ والشركة الكنسيّة لأنّ حياته صارت وقفًا على الكنيسة ولم تعد ملكًا له. وعليه أن يتصرّف بهدي الإنجيل الذي وضع على رأسه أثناء الرسامة، وخاصّة بهديّ انجيل يوحنّا عن الراعي الصالح الذي يتلوه بُعيْد رسامته وبعد ارتدائه الثياب والشّارات الحبريّة التي تقلّدها وكانت ترافقها العبارة التي تكرّرت غير مرّة: “لمجد وإكرام وتبجيل وتعظيم الثالوث الأقدس المتساوي بالجوهر، ولأمان وبنيان بيعة الله المقدّسة”.
- ومن الرموز التي تشير الى أنّه أصبح “أبا الآباء”، تسلّمه عصا الرعاية. يمسك المحتفل بهذه العصا، التي يمسك بها أيضًا كلّ من الأساقفة وفقًا لأقدميّة الرسامة، ثم يمسك بها البطريرك الجديد في الأسفل. عندئذٍ يتقدم منه المحتفل ويرفع يده فوق يدّ جميع الأساقفة ثلاث مرّات. فيتركها الأساقفة ويمسك بها وحده. ولدى تلاوته الإنجيل، كلّ مرّة يلفظ عبارة “أنا الراعي الصالح”، يهتف المشاركون جميعهم، إكليروسًا وعلمانيين، “إنّه لمستحقّ ومستاهل”. وفي نهاية الاحتفال يبادله الأساقفة قبلة السلام ويلثم الإكليروس والمؤمنون يده.
2. خادم القدسيات
- تتجلّى صورة البطريرك بأبهى مظاهرها الليتورجيّة في رتبة تكريس الميرون، لأنّ الجماعة المارونيّة بكلّ فئاتها تلتفّ حول رئيسها. ويصف البطريرك اسطفانوس الدويهي[7]، كيفيّة الاحتفال بهذه الرتبة. البطريرك يجلس في الحنيّة يقرّب الطلبات الى الله ثمّ يخرج في زيّاح يتقدّمه الاكليروس والشعب بابتهاج ورهبة. وتعطى أهميّة خاصة لهذه الرتبة لأنّها من امتيازات البطريرك ولأنّ الميرون أساس في الأسرار ومعظم الرّتب البيعيّة: “تستعمله في عمادة المؤمنين وفي قسمة رسامة الكهنة وفي تكريس الكنائس والمذابح وأجران العماد والأواني المقدّسة”[8].
- إنّ التركيز على تبريك الميرون له دلالاته الكثيرة. فالبطريرك، خادم القدسيات، هو مقدّس شعبه، والمؤتمن الأوّل على طقوس كنيسته التي يتقدّس بها المؤمنون. وإذا وصف الدويهي بإسهاب مشاركة المؤمنين بكلّ فئاتهم في رتبة تقديس الميرون، يتقدمهم بطريركهم بعد أن خرج من كنيسته لملاقاتهم والسير بهم مجدّدًا إليها، فما ذلك إلاّ ليبيّن أنّ رئاسة البطريرك تعني، في ما تعنيه، قيادة هذا الشعب في حجّه نحو أرض ميعاده الحقيقيّة.
فالميرون الذي يكرّسه “يدلّ على ابن الله الوحيد الذي يضمحلّ الخطيئة، ويهلك العدو” وهو أيضًا تمثال الروح القدس: الذي به يصير الموسومون “مسيحيّين حقيقيّين” وينالون العطايا والمواهب الإلهيّة. وما جلوسه في الحنيّة إلاّ رمز للآب السماويّ الجّالس على العرش والحاضر أبدًا مع شعبه، وما احتفاله بالتكريس والخدمة الإلهيّة إلاّ مشاركة في كهنوت المسيح الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف.
3. مفهوم الرئاسة
- فإذا كان للميرون بهذه الأهميّة، فلمكرّسه دور فريد. ومن هنا، هناك نوعان من العلاقة تربط المؤمنين به: العلاقة الروحيّة التي تنبع من الميرون الذي به ينتمون الى الكنيسة البطريركيّة ورأسها، لأنّه هو رئيس الرؤساء، والعلاقة الزمنيّة التي جعلت منه مرجعًا لهم عبر تاريخهم الطويل. والعلاقتان متكاملتان، لأنّ الرباط الذي يربط الموارنة برئيس كنيستهم هو رباط وجدانيّ تكوّن عبر الأجيال فأصبح البطريرك رمز الوحدة وعنوان المحبّة والاحترام، قبل أن يكون أو ينظر إليه كمرجع زمنيّ فقط. ولذلك أدرك أنّه خادم الوحدة والمدافع عن الرعيّة والسّاهر على شؤونها وقضاياها، والحريص على نهضتها وتقدّمها في كلّ مجال.
- ويذكر كتاب الكهنوت المنسوب الى القديس يوحنّا مارون[9] أنّ البطريرك هو الأب الذي له السلطان على بيته. لذلك عليه أن يتفحّص بدقّة “ما يجريه المتروبوليتيون والأساقفة في ولاياتهم وأسقفيّاتهم التي تحت سلطته، فإن وجد فيها ما لا يليق فليقض عليه كما يتراءى له بالربّ لأنّه أبو جميعهم وهم أبناؤه”.
ويصف الكتاب درجات الكهنوت بثلاث: رئاسة الكهنوت والكهنوت والشمّاسيّة… فرئاسة الكهنوت تستجمع ما سبق وتكمّله إذ تنير كدرجة الكهنة، وتطهّر كدرجة الشمّاسيّة لكنّها تكمّل سائر الدرجات والتكهينات من “شرطنة وميرون وتقريب قربان وتوضح أحاجيها وتشرح معانيها وتفسّر مغازيها. لذلك كان رئيس الكهنة بالنسبة للآخرين الأوّل، المتقدّم في الكرامة، والقريب من الله من قبيل الموهبة لا من قبيل الأعمال”[10].
4. المتقدّم على شعبه
- غير أنّ كتاب الهدى أناط بالبطريرك مهمّات واسعة إذ قال فيه: “أقام بين شعبه الذي خضع لقيادته الروحيّة والعقائديّة والقضائيّة والطقسيّة والزمنيّة”[11]. فاعتبر البطريرك على ممرّ التاريخ أبًا ومعلمًا ورئيسًا ومدبرًا. زدّ على ذلك أنّ اللّقب الذي يحمله، بطريرك أنطاكية، واسم بطرس الذي يضيفه على اسمه يمنحانه سلطة رسوليّة، وإن أصبحت أنطاكية، المنطلق التاريخيّ، رمزًا روحيًّا، بعد أن استقرّت البطريركيّة في لبنان، متنقّلة من مقام الى آخر بسبب المضايقات والاضطهادات ومتّخذة مريم شفيعة دائمة لكلّ مركز حلّت فيه.
ولقد عبّر البطريرك الدويهي عن مهمّة البطريرك بقوله أنّه “يتقدّم على شعبه ويتكلّم عليه” ولقد جاء كلام الدويهي نتيجة خبرة عاشها في تحمّله المسؤوليّة الكنسيّة في كلّ مراحلها وصولاً الى السّدة البطريركيّة؛ ولم تخلُ هذه الخبرة من ضغوط مورست عليه، إنّما ظلّ فيها وفيًّا لأسلافه ولما تحمّلوه في سبيل الرعيّة حتى يبقى الشعب أمينًا لربّه ومتمسّكًا بكنيسته. وهذا ما حداه على القول الذي صار شعارًا له ولخلفائه: “الأمانة لمارون وللكنيسة الرومانيّة”.
ولا بدّ من التنويه بأنّ المكانة التي أفردها الدويهي للبطريرك إذ جعله متقدّمًا على الشعب ومتكلّمًا باسمه، لم تكن امتيازًا وشرفًا أو سلطة على غرار السلطات الزمنيّة. بل كان الهدف منها الحفاظ على وحدة الشعب وخيره الروحيّ والزمنيّ، نظرًا الى ما يمكن أن ينشأ من خلاف وتناقض بين الناس وفقًا لأهوائهم ومصالحهم. وحرصًا على هذه الوحدة، كان أعيان الطائفة ومنهم المقدّمون، يُمنحون درجة الشدياقيّة حتى يكونوا الأقرب الى السلطة الكنسيّة، علمًا أنّ بعضهم لم يلتزم بما تمليه الدرجة من احترام ومحبّة وطاعة للرؤساء، خلافًا لما كان عليه الشعب بوجه عام.
5. أبو الرهبان
- ومن علامات الوحدة الكنسيّة، ارتباط الرهبان بالبطريرك مباشرة، اذ اعتبروه بمنزلة الأب والرئيس والمرجع الأخير، قبل ان تتنظّم الحياة الرهبانيّة تنظيمًا حديثًا بعد المجمع اللبنانيّ سنة 1736. فهو الذي كان يختار رهبانًا لرئاسة بعض الأديار[12]، كما كان يتّخذ التدابير بحقّ المخالفين.
ولقد شكّلت الحياة الرهبانيّة عصب الحياة الكنسيّة، وفقًا لتقليد مارونيّ قديم، وكان الأساقفة يُختارون من الرّهبان الذين امتازوا بتقواهم ومحبّتهم للكنيسة.
ثانيًا: الأساقفة
- إنّ لقب “رئيس الرؤساء” الذي يطلق على البطريرك، يفترض حُكمًا وجود رؤساء وهم الأساقفة الذين يشكّلون مع البطريرك مجمع الكنيسة المارونيّة. ونظرًا الى الترابط الوثيق بين البطريرك والأساقفة في حياتهم ومهمّاتهم، كان لا بدّ من العودة الى بعض النصوص الطقسيّة لاستنباط ما يميّز الأسقفيّة، علمًا أنّ البطريرك والأساقفة يشتركون في الدرجة الكهنوتيّة الواحدة.
1. العلاقة بالبطريرك
- منذ تأسيس البطريركيّة المارونيّة، تكوكب الأساقفة حول البطريرك الذي كان يرسلهم لتفقّد الشعب في الرعايا ثم يعودون الى الكرسيّ البطريركيّ أو الى أديارهم، لأنّ الأبرشيات لم تكن قد نشأت بشكلها القانونيّ الذي يرسم حدودها، ولم يُعيّن ويُنتخب أساقفة لإدارة شؤونها مباشرة[13].
وكان الأساقفة المختارون من الرهبان والنسّاك يواصلون إقامتهم مع جمهور الرهبان بصفتهم رؤساء أديار، أو في المحبسة منصرفين الى الصلاة والتأمل ونسخ الكتب. وكان بعض الأساقفة يقيمون في بلدات كبرى كأساقفة إهدن والعاقورة مثلاً، ولا يزال حتى اليوم يرتدي الأساقفة الإسكيم الذي يجلّل رأس الراهب، لأنّهم كانوا يحتفظون بلباسهم الرهبانيّ الذي تغيّر فيما بعد، خاصة بعد الاتصال بالغرب وتأثير تلامذة مدرسة روما.
وكان الأساقفة معاونين للبطريرك يمثّلونه ويقومون بدور الرعاية وتوزيع الأسرار ويوقّعون على المجامع الى جانبه، التي كان يشارك فيها الإكليروس وأعيان الشعب. وظلّ هذا الوضع قائمًا حتى المجمع اللبنانيّ (1736) الذي قسّم الأراضي البطريركيّة إلى أبرشيات وألزم بأن يكون هناك أسقف لكلّ أبرشية يقيم فيها ويتولى إدارتها من كلّ النواحي.
2. الأساقفة الأبرشيون
- غير ان هذا الوضع الجديد ستكون له انعكاساته الإيجابية، اذ توزّعت مسؤولية الرعاية على أساقفة مقيمين في أبرشياتهم، وعلى صلة بأبنائهم يزورونهم باستمرار ويعرفونهم ويهتمون بهم ويسهرون على تأمين مستلزمات الخدمة لهم من تعليم وتقديس وتدبير، كما تفصّلت في أبواب المجمع اللبنانيّ الذي حدّد الأبرشيات بثماني، مع المجمع تأخذ صورة الأسقف ملامح ثابتة على صعد مختلفة راعويًّا واجتماعيًّا وتربويًّا وسياسيًّا. فالبعض أنشأ المدارس، الإكليريكيّة والمدنيّة، لإعداد الكهنة وتعليم الأولاد. وآخرون أنشأوا معامل للحرير لخلق فرص عمل، ولعب البعض دورًا سياسيًّا لدى الوالي والسلطان لحماية أبنائهم. ولذلك أصبح الأسقف مرجعًا روحيًّا وزمنيًّا في آن، ولاسيّما أنّ الأبرشيات شملت نواحي وبلدانًا عدّة في لبنان وسورية وقبرص.
- غير أنّ الوضع الجديد، بالرغم من حسناته الكثيرة، لم يخلُ من إرباك وتبدّل في مفهوم الكنيسة البطريركيّة، فعلاقة الشراكة والمسؤوليّة المشتركة النابعة من مجمع الأساقفة وعلى رأسهم البطريرك لم تعد قائمة كما كانت عليه سابقًا، بالرغم من الشوائب والخلافات التي كانت تحدث بين بعضهم البعض ومع البطريرك. وصار كلّ أسقف يتمتّع باستقلاليّة تامة في إدارة أبرشيّته، الأمر الذي أدّى أحيانًا الى إضعاف الوحدة، بالرغم من الروابط المعنويّة والروحيّة والكنسيّة والقانونيّة التي تربط الأساقفة بالبطريرك، وخاصّة من خلال المجامع التي يعقدونها معًا وبرئاسة غبطته.
3. اختيار الأساقفة
- لقد مرّ اختيار الأساقفة بمراحل عدّة: من التعيّين من قبل البطريرك الى تدخل الأعيان، ومن التمنّي على البطريرك باختيار هذا أو ذاك من الكهنة الى الانتخاب من قبل مجمع الأساقفة.
فالبطريرك موسى العكاريّ عيّن ملكًا البقوفاني أسقفًا مكافأة له على جهوده وإبقائه في نسخ الكتب، وتقديرًا لحياته النسكيّة التي دامت ستين سنة. وكان الأعيان أنفسهم يمارسون نفوذهم الدنيويّ ويدعمون مرشحهم حتى ينال رضى البطريرك، خاصة أنّ معظم الأساقفة كانوا ينتمون الى العائلات المارونيّة المعروفة. وأحيانًا اذا جوبهوا بالرفض، كانوا يلجأون الى الإقناع والتمنّي لبلوغ مآربهم. ولم يكن ذلك مستغربًا لأنّ الأعيان كانوا يشاركون في المجامع وكانت لهم الكلمة المسموعة، ولأنّ كثيرًا من الممتلكات الكنسيّة هي وقفيّات وهبات من تلك العائلات. ولقد أثير هذا الموضوع في مجامع عدّة، حتى توصّل الأساقفة والأعيان سنة 1786 في مجمع وطا الجوز الى اتفاق بعدم تدخل الأعيان بفرض مرشح معيّن، إنّما بقي لهم أن يقترحوا ثلاثة أسماء بالاتفاق مع المطارنة ليُختار أحدهم، دون أن يكون السيّد البطريرك ملزمًا بهم إن لم يتمتعوا بالكفاءة[14].
غير أنّ ما تجدر الإشارة إليه هو دور الشعب في اختيار الرئيس وقبوله، وكان يصار إلى استفتاء الناس ليُدلوا برأيهم في المرشحين، وان لم يكن الرأي ملزمًا، حتى لا يتحوّل الاستفتاء إنتخابًا. لكنّ الأمور ضبطت فيما بعد وأصبح الإختيار وقفًا على مجمع الأساقفة الذي ينتخب المرشّح الكفؤ لملء المركز الشاغر.
4. معايير الإختيار أو الصفات المطلوبة
- ان المعايير أو الصفات المطلوبة التي يجب أن يتمتّع بها الأسقف نستخلصها من مرجعين: رتبة الرسامة وجنّاز الأحبار. ويعتبر المرجع الأوّل بمثابة إنطلاقة الأسقفيّة، والآخر كتتويج لها.
أ. تتحدّث الشرطونيّة عن أهليّة المرشح وكفاءته التي يجب أن يشهد له بها أهل الرعيّة[15]. وتستشهد بقانون الرسل وقوانين الآباء. ولقد ورد فيها على لسان بولس: “أنّ المدعو يجب أن يكون بغير عيب في كلّ شيء، خالصًا من كلّ إثم… فإذا اشتهر وأحسن، فليجتمع الشعب والكهنة والأساقفة يوم الأحد المقدّس. وحينئذ يسأل المتقدّم فيهم الشعب والكهنة إن كان المختار منهم يستحق الرياسة. فإن ارتضوا به يكرّر السؤال عليهم وإن كان مشهودًا له من كلّ واحد أنه مستحق الرياسة العظمى الكاملة وإن كان قد امتلك عبادة حسنة لله… وإن كانت سيرته بغير عيب… ويشهد جمعيهم أنّه هكذا بغير محاباة… ويقتضي اتّفاقهم وظهور اختيارهم التامّ ليسمع لهم… ولقد ورد أيضًا: “لا يُسام الأسقف إلا برضى مطران المعاملة واختيار جميع الأساقفة. ولا يتسلّط في البيعه إلاّ من كان معروفًا بالغيرة وخوف الله، وتكون له شهادة حسنة ويعرف يدبر بيعة الله”.
ب. تركّز الرتبة على التواصل القائم بين المنتخب وقداسة البابا وغبطة البطريرك لأنّه تواصل رسوليّ يرجع إلى اختيار السيّد المسيح لرسله الذين عليهم بنى كنيسته. كما تصلّي الكنيسة حتى يتحلّى المنتخب بمواهب الروح التي تمكّنه من القيام برسالته.
وفي صلوات الرسامة التي يتلوها البطريرك على رأس المنتخب بمساعدة أسقفين هناك ابتهال متواتر إلى الروح القدس ليحلّ عليه ويزينه بالفضائل ولاسيّما الإيمان والحبّ والقوّة والقداسة.
وفي صلوات وضع اليدّ المباشرة، تفصّل الصلوات الثلاث المواهب المطلوبة.
ورد في الصلاة الأولى:
“إملأه حكمة ونعمة، وزيّنه بالإتّضاع والقوّة، والنشاط والسكينة، وامنحه أن يكون يقظًا وصبورًا، وضع فيه أفعال الروح القدس… ومواهب الروح القدس من أجل شعبك ولأجل اسمك القدّوس”.
وفي الصلاة الثانية: “…هّبه نعمة المعرفة والبلاغة، ليعظ ويرشد ويرد الخطأة إلى التوبة، ويرعى اليتامى، ويعطف على الأرامل، ويفتقد المرضى ويعزّي الحزانى ويوآسي المحتاجين ويشجّع الغرباء ويتمّم شرائعك الرسوليّة، ويسير بحسب مشيئتك…”.
وفي الصلاة الثالثة التي يتلوها البطريرك والأساقفة معًا: “بسلطان كلمتك أيها الربّ الإله… أرسل الآن روحك القدّوس الرئاسيّ على عبدك (فلان)، ليرعى البيعة ويدبّرها، ويسمّ فيها كهنة وشماسة، ويقدّس المذابح والكنائس، ويبارك البيوت، ويحلّ ويربط، ويثّبت شعبك وخراف رعيتك…”.
ج. إنّ هذه المواهب التي تفصّل مهمّات التقديس والتدبير، تُتوّج بالعبارات التي يتوجّه بها البطريرك المحتفل إلى الأسقف الجديد عندما يهّم بتقليده الملابس والشارات الحبريّة، فيقول له:
“أيّها الأخ الحبيب… لقد تمّت رسامتك الأسقفيّة. فارتدِ الآن الثياب واحمل الشارات التابعة لها، لا لإعتبارات دنيويّة باطلة، بل لمجد الله الأعظم وبنيان البيعة المقدّسة”.
هذه الكلمات غنيّة بمعانيها التي تحدّد روحانيّة الأسقف بأهدافها الكبرى: تمجيد الله وبنيان الكنيسة، خاصّة في الأبرشية التي أؤتمن عليها. ولذلك عندما يتقيّد الأساقفة بمضمون الرسالة وأهدافها كما وردت في طقوس الرسامة، فإنّهم ليجدون فيها الدعامة الأساس لقداستهم ونجاح رسالتهم. فبإنصرافهم إلى تتميم ما يترتّب عليهم من مهمّات، متحلّين بصفات الراعي الصالح الذي دعاهم وقلّدهم السلطان ليتابعوا رسالته، لا يستطيعون إلاّ أن يكون همّهم بنيان الكنيسة والسعي إلى تمجيد الله في اعمالهم مبتعدين عن المجد الباطل الذي قد يغري، بما هم عليه من مكانة في المجتمع.
19. أ. في رتبة جنّاز الأحبار تتمحور الصلوات حول محورين أساسيّين: المسيح والأسقف المنتقل إليه. فالصلوات بمجملها تتجه إلى المسيح الذي خطب البيعة وأقام لها الخدّام النشيطين، “وهو الذي سلّمهم السلطان الإلهيّ للتدبير والتعليم والتقديس” (صلاة البدء). ولقد ورد في الصلاة الثالثة: “أيّها الحارث الحكيم يا من نصبت البيعة المقدّسة كرمًا مختارًا، وبنيتها برج إيمان للشعوب كافة وجعلت فيها الأسرار ينبوعًا لا ينضب، وسيّجتها بسور العهد الجديد، ودفعتها إلى أيدي فعّلة ليعطوك الثمار في حينه… أهل… المنتقل إليك أن يسعد في الإنضمام إلى مائدتك السماويّة”.
وهناك ربط متواصل بين المسيح الحبر والراعي الحقيقيّ الحكيم وعظيم الأحبار والكنيسة التي أحبّها وخطبها وأقام لها الرعاة ليسهروا عليها. فالكنيسة هي كنيسة المسيح والرعاة هم خدّامها، وسيؤدون حسابًا أمام المسيح عن خدمتهم لها، لأنّها هي الكرم الروحيّ الذي دُعوا إلى العمل فيه.
ب. وعمل الرعاة، كما تصفه الصلوات، هو تنوير البيعة بالتعليم الإلهيّ، وطرد الذئاب منها، والتجارة بالوزنات، والسّهر ليلاً نهارًا بانتظار مجيء الربّ، وخدمة الأسرار ومحبّة الرعيّة، وحمل الصليب، والرعاية الصالحة، والجهاد الطويل… لذلك تطلب الكنيسة المجتمعة لوداع راعيها وتتوسّل الى المسيح ان يجازيه جزاء الأحبار الصالحين والرسل القديسين ليشاهد حقيقة الأسرار التي خدمها في الأرض، فينال الفرح وسعادة النعيم ويسكن مع الربّ الذي يتحنّن عليه ويضمّه الى أبناء النور.
ج. من هذه الجولة السريعة يمكن استنتاج الحقائق التالية:
- الأسقف مؤتمن على الكنيسة التي هي كنيسة المسيح، وليست ملكًا له.
- رعايتها واضحة المعالم، إنطلاقًا ممّا قام به المسيح بالذات من تعليم وتدبير وتقديس.
- هذه الرعاية تقتضي السهر والغيرة والمحبّة وبذل كلّ نشاط حتى يتأمّن خير الأفراد والجماعة بتأصلهم في المسيح.
- ولا رعاية ناجحة إلاّ إذا كانت تنبع من محبّة راعويّة تسيّر حياة الراعي ومسلكه.
- وهدايته في حياته ومسلكه مثل المسيح الراعي الصالح. وهذا ما يرمز إليه وضع الإنجيل على رأسه أثناء الرسامة مفتوحًا على الفصل العاشر من إنجيل يوحنّا (الرّاعي الصالح) الذي سيقرأه على المؤمنين بعد تسلّمه الشارات الحبريّة. وكتاب ميمر الكهنوت يشرح ذلك بقوله: “ان المنسامين يخضعون مدى حياتهم ليسوع المسيح”[16].
- الصور الإنجيليّة والتشابيه الكتابيّة التي تطبّق على الأسقف كثيرة: إنّه الراعي والتاجر الروحيّ والبنّاء الحاذق والزارع والوكيل الأمين والملح والنور…
- ولقد أفرد كتاب ميمر الكهنوت شرحًا وافيًا لهذه الصور، معطيًا مكانة مميّزة لدور الأسقف في رعايته الخطأة ليردّهم الى التوبة كما استفاض في وصف ما يجب أن يكون عليه الأسقف من اهتمام بذويّ الحاجات[17].
- كلّ ذلك يفترض في الأسقف أن يتباعد عن الروح العالميّة والإعراض عن المشاغل والإغراءات الدنيويّة ويهتم بما يرضي ربّه من تعبّد والاكتفاء بما هو ضروريّ لحياة كريمة وللقيام برسالته واضعًا نصب عينيه حاجات رعيته وباذلاً في سبيلها اهتمامه ومحبّته.
الفصل الثاني
واقع الخدمة البطريركيّة والأسقفيّة الراهن
- ركزّ المجمع الفاتيكانيّ الثاني على محوريّة دور البابا في الكنيسة وعلى المهمّة الأسقفيّة وذكّر مرسومه عن الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة بأنّ المؤسّسة البطريركيّة قائمة في الكنيسة منذ العصور القديمة[18] وأنّ البطريرك “هو أسقف له حقّ الولاية على كلّ الأساقفة بمن فيهم رؤساء الأساقفة وعلى الإكليروس والمؤمنين في ولايته أو طائفته” مع المحافظة، على أولويّة الحبر الرومانيّ. ولذا يجب إكرامه إكرامًا خاصًا لأنّه يرأس كنيسته كأب ورئيس. وبالتالي يجب إعادة حقوقه وامتيازاته التي كانت قائمة زمن الوحدة بين الشرق والغرب. وذكر أخيرًا بأنّه يؤلّف مع مجمعه المرجع الأوّل في كلّ أمور البطريركيّة.
هذا النصّ الذي يعترف بوجود هذا الحقّ ويكرّسه، بقي دون تطبيق بالنسبة إلى كنيسة الانتشار حيث تغيّب عنها ولاية البطريرك كما أنّه لا يحيط بكلّ أبعاد المهمّة المميَّزة التي يقوم بها بطاركة الشرق، والدور الكبير الذي انتدبتهم له كنيستهم على المستويين الدينيّ والمدنيّ.
أوّلاً: البطريرك
1. الرمز والمرجع
- ما زالت الكنيسة المارونيّة بكلّ قواها الحيّة تعتبر البطريرك الأب والرئيس. له احترام الجميع وعاطفة البنين. إليه يلجأ أغلبية المؤمنين في المناسبات الكبيرة وفي الملمّات الصعبة. إنّه المرجع في القرارات المصيريّة والسند في الحاجات الدينيّة والاجتماعيّة والمنير في القضايا الوطنيّة. يشارك في أفراح الناس وأتراحهم ويبقى رمز وحدة الموارنة وضامنها مهما تعدّدوا وأينما انتشروا. وعلى الرغم من تنوّع آرائهم ومناهجهم يطلبون النصح منه والإرشاد، ويهمّهم رضاه حتى في مواقفهم السياسيّة المختلفة حينًا، والمتعارضة أحيانًا.
2. المؤتمن على التراث
- افتخر الموارنة بانتمائهم إلى حضارة الشرق وتراثه الغنيّ والانفتاح على الغرب وثقافته التعدديّة، والثبات على العقيدة الكاثوليكيّة الصحيحة. والبطريرك الذي شارك في المجمع الفاتيكانيّ الثاني مع أساقفته اغتنى من هذه المشاركة فأغنى بها كنيسته، كما أنّه أفاد المجمع بخبرة كنيسته.
حافظ البطريرك مع شعبه المارونيّ طوال التاريخ على علاقة مميّزة مع روما وما زالت هذه العلاقة إحدى الثوابت الأساسيّة، ليس فقط في العقيدة بل في شتّى الحقول الكنسيّة والحياتيّة. وإذ يحرص البطريرك وهو يقود شعبه على توثيق علاقة الكنيسة المارونيّة في الشراكة القانونيّة وشراكة المحبّة مع كنيسة روما، يهمّه أن يتعاون تعاونًا وثيقًًا مع سائر الكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة لكي تحمل كنيسته في محيطها الرسوليّ الكبير مع شقيقاتها شهادة حيَّة للإيمان الواحد وتزداد انفتاحًا على الكنائس الأخرى فتتبادل وإيّاها الآراء والخبرات لكي يسمع الجميع صوت المسيح وتصل الرسالة الإنجيليّة، رسالة الخدمة والمحبّة والعدالة والسلام إلى أبناء الشرق، وحيث ما تنتشر الكنيسة المارونيّة.
3. الحريص على الوطن
- لقد حافظ البطاركة مع شعبهم المارونيّ طوال تاريخ كنيستهم على حبّ البلاد التي يتواجدون فيها وحرصوا على كلّ بلد ينتشرون فيه ليخدموه بأمانة ويدافعوا عنه ويسعوا إلى إنمائه. وبعد انتقال سلطتهم الدينيّة إلى لبنان كان بطريركهم في العصر الحديث محطّ أنظار اللبنانيين. يقدّره الحكّام والشعب ويحترمونه. ويجلّون دوره الجامع والحكيم، ويعودون إليه عندما تضيع الموازين ليذكّرهم بالثوابت الوطنيّة وبأسس العيش المشترك وبترسيخه وتطويره. وتجمع الكنائس المسيحيّة كافّة على تقدير دوره خاصّة في المسائل الوطنيّة، وترؤسه الكنائس الكاثوليكيّة على مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. أمّا الرؤساء المسلمون فيصغون إليه بانبساط ويجلونه ويثمنّون مواقفه في الملمّات والقضايا الوطنيّة الحسّاسة، نظرًا لترفّعه ولما يتمتّع به من حريّة وشجاعة في قول الحقّ. ولأنّه يدافع عن جميع المواطنين لا عن أبناء طائفته فقط.
ثانيًا: الأساقفة
- إنّ النصوص المارونيّة التي تضمنتها الكتب الطقسيّة والمجامع المارونيّة السابقة، ركّزت على المهمّات المنوطة بالبطريرك والأساقفة وأسهبت في وصفها. وهي تلتقي في مضمونها مع تعليم الكنيسة الجامعة، كما ورد في المجمع الفاتيكانيّ الثاني وفي الوثائق الحديثة، وتتلخص بخدمة مثلّثة: خدمة التعليم والتقديس والتدبير. فما هو واقع هذه الخدمة؟
1. خدمة التعليم
- يمارس الأساقفة مهمّتهم التعليميّة على ثلاثة مستويات: المستوى الجماعيّ عندما يلتئمون في مجمع الأساقفة أو في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، ويصدرون التعليم والتوجيه في موضوعات شتّى تتناول حياة المؤمنين في مختلف وجوهها. والمستوى الفرديّ عندما يوجّهون رسائل إلى أبناء أبرشيتهم في مناسبات متنوعة، أو عندما يعظون في الزيارات الراعويّة والاحتفالات الدينيّة أو إلقاء الأحاديث والمحاضرات. أمّا المستوى الأكثر شيوعًا فهو من خلال ما يوفّره الكهنة من وعظ وإرشاد وتوجيه في الرعايا التي يتولّون خدمتها، أو من خلال التعليم المسيحيّ أو السهرات الإنجيليّة التي يقومون بها، بالتعاون مع عدد لا يستهان به من رهبان وراهبات وعلمانيين. ولقد أنشئت في غير أبرشيّة ورعيّة لجان لتأمين التعليم المسيحيّ للطلاب، وهناك اتجاه لتأمين وسائل تنشئة مسيحيّة للبالغين، إضافة إلى مراكز التثقيف الدينيّ التي انتشرت في معظم الأبرشيات.
ولا نجهل ما لوسائل الإعلام عامّة والدينيّة خاصّة من تأثير في هذا المجال، لذا لا بدّ من استخدامها بوفرة للتثقيف والتعليم والسهر على صحّة ما تنقله حتى يكون مطابقًا للعقيدة والأخلاق. ولقد تطرّقت الوثيقتان عن الإعلام والتنشئة الدينيّة إلى هذه الموضوعات، فلا مجال للتوسّع فيها الآن.
- غير أنّ ما يجب التركيز عليه في ما يخصّ الأساقفة في هذا المجال أمران: الأوّل أن يتابعوا تثقفهم ويكرّسوا الوقت الكافي لمطالعاتهم حتى لا يأتي كلامهم ترديدًا لما حصّلوه في الماضي. والتجدّد هنا حقّ للمؤمنين عليهم يقع في صلب اهتمامهم الراعويّ لأنّ المؤمنين ينتظرون منهم ما يغذّي إيمانهم وينير سبيلهم. الأمر الثاني مرتبط بتطابق ما يقولون مع ما يفعلون ويعيشون. فالتعليم نقل بُشرى الإنجيل. وعلى ناقل البشرى ان يستفيد منها قبل سامعها. وهنا لا بدّ من تذكر ما قاله البابا بولس السادس: “يصغي الإنسان المعاصر بإهتمام إلى الشهود، أكثر مما يصغي إلى المعلّمين. وإذا أصغى إلى المعلّمين فلكونهم شهود”. (رعاة القطيع، الأعداد 28-31). ولكم أكّدت كتبنا الطقسيّة وخاصة كتاب الشرطونيّة على حياة القداسة لدى المرتسم وضرورة إنقياده لروح الربّ.
2. خدمة التقديس
- كذلك يؤتمن الأساقفة على تقديس الشعب الموكول إليهم. ويمارسون هذه الخدمة مباشرةً عندما يحتفلون بالأسرار المقدسة، ولاسيّما الافخارستيا، حيث تجتمع حولهم الجماعة المؤمنة، فيجسّدون حضور المسيح وعمله فيها بقوّة الروح القدس، أو بواسطة الكهنة الذين يوكلون إليهم خدمة الرعايا ليؤمّنوا للمؤمنين فيها قبول الأسرار وممارستها وإحياء الحياة الطقسية وإرشاد النفوس وتنويرها. ويحرص المؤمنون على أن يكون لهم كاهن لرعيتهم وهذا ما يطالبون به الأساقفة.
- ونظرًا إلى ما لليتورجيا من أهميّة في حياة الرعاة والمؤمنين[19]، كان لا بدّ من التنبّه إلى ما تقتضيه من إعداد لاتقان الإحتفال بها، حتى لا تتسرّب إليها الرتابة، فتفقد بريقها وجاذبيتها، كما يجب التنبّه إلى ربطها بالحياة، لأنّها توفّر الغذاء الروحيّ للمحتفل وللمؤمن على السواء. وعندما تصبح مجرّد ممارسات وواجبات، دون إدراك لمضمونها الذي تشير إليه علاماتها، عندئذ تقع في ما حذّر منه الكتاب: “هذا الشعب يكرّمني بشفتيه، وقلبه بعيد مني” (أش 29/13 ومتى 15/8).
- ولذلك كان من واجب الرعاة أن يسهروا على كلّ الإحتفالات، أقاموا هم بها أم كهنتهم، على ألاّ يغلب عليها الطّابع الدنيويّ، لئلاّ تتحوّل إلى حفلات اجتماعيّة وتظاهرات عالميّة لها مظهر دينيّ. هذا يقتضي تثقيف الجميع لتحافظ الإحتفالات على قدسيتها فيتحاشوا ما يشوهها من أيّ مصدر أتى. ويعول كثيرًا على دور الأساقفة ومثلهم في هذا المجال، لأنّ الليتورجيا والإحتفال بها هما الرابط الأهم الذي يربط الموارنة أينما كانوا.
- ونحجم عن التبسط في هذا المجال لأنّ نص الليتورجيا تطرّق إليه من كلّ جوانبه. إنّما نشدّد على أنّ وسائل التقديس لا تؤتي ثمارها إلاّ إذا استُعملت لتصلنا بالآب السماويّ، الذي يفيض علينا القداسة من خلال أسرار ابنه وحياته بقوّة الروح القدس الذي ختمنا به وأفاضه في قلوبنا، شرط أن نصغي إليه وننقاد له ونعمل بمشيئته.
- ولا يغربنّ عن بالنا أبدًا أنّ تقديس الشعب مرتبط أيضًا بما نقدّمه عنه من صلوات وتضحيات وذبائح. وهذا ما نصّت عليه القوانين الكنسية بعد أن دعا إليه السيّد المسيح في صلاته الكهنوتيّة عندما قال: “أقدّس ذاتي من أجلهم لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحقّ” (يو 17/17). وفي صلوات الفرض الإلهيّ، كمّ من مرّة ظهر هذا الترابط الوثيق بين الراعي والرعية في هذا المجال. وصلاتنا التي نرفعها من أجل الشعب تردّنا إلى ينبوع القداسة الذي هو الله.
3. خدمة التدبير
- إنّ طقوسنا تسمّي الأسقف المدبّر الحكيم. وخدمة التدبير تشمل الأمور الإداريّة والماديّة، كما تشمل بالدرجة الأولى الأمور الروحيّة. لأنّ غاية التدبير هي تكوين الجماعة المؤمنة، هي “بنيان بيعة الله” كما ورد في رتبة الرسامة. لذلك نستعرض بعض وجوه التدبير علمًا أنّ وجوهًا كثيرة سترد في النصوص المجمعيّة الأخرى. يحرص البطريرك والأساقفة على أن يكونوا ملتصقين بهموم شعبهم وقريبين منهم في حياتهم الروحيّة وفي تطلّعاتهم إلى عيش كريم. فالناس لا يأتون فقط ليعرضوا عليهم مشاكلهم الدينيّة بل أيضًا معاناتهم الحياتيّة. وهذا يعني أنّ البطريرك والأساقفة هم أكثر من مسؤولين روحيّين. إنّما رسالتهم هي بالأساس رسالة المخلّص. لذلك يحمّل البطريرك والأسقف قبل كلّ شيء رجاء المسيح للعالم ولاسيّما وأنّ رسالة الفاتيكانيّ الثاني كانت بالأساس الدعوة إلى الكنيسة لتكون في محيطها فرحًا ورجاء فتُعطي شهادة مضيئة أرادها لها منشؤها الإلهيّ على هذه الأرض.
4. علاقات كهنوتيّة
- رسالة الفرح والتجدّد المستمرّ يحاول أن يعيشها الأساقفة أوّلاً في السينودس حيث يجتمعون حول بطريركهم فيعقدون معه الاجتماعات الشهريّة ويقومون إلى جانبه بالرياضات الروحيّة السنويّة ويتدارسون الشؤون الراعويّة والكنسيّة والاجتماعيّة والوطنيّة ولذلك يحرصون على اتحاد وثيق بالسيّد البطريرك يخضعون له خضوعًا بنويًّا ويشاركونه في قيادة سفينة كنيستهم. ولكنّهم لا يغفلون ما يتطلبه العمل الراعويّ من إعداد كهنة أكفاء وتفرّغٍ للخدمة وتأمين معيشة لائقة بهم، لجبه ما يعترضهم من صعوبات في حياتهم وفي رسالتهم التي تشعّبت اليوم أكثر ممّا كانت عليه في الماضي. ويدرك الأساقفة أنّ رسالتهم لا تكتمل ولا تنجح إلاّ بالكهنة معاونيهم. لذلك يأتي الإهتمام بهم، على كلّ الصعد، من حسّ كنسيّ عميق ومن التشارك في حمل الرسالة، وليس فقط من باب التقيّد بما نصّت عليه القوانين.
5. راعويّة الدعوات الكهنوتيّة
- يرسل الأساقفة من يتنسمون فيهم الدعوة إلى المدرسة الإكليريكيّة لتأهيلهم وتثقيفهم، وإعداد كهنة غيورين لخدمة المؤمنين. وتأخذ الأبرشيّة على عاتقها أكلاف تنشئة كهنة الغد فترعى الدعوات، وتحيي أسبوع الدعوات بالإشتراك مع الكنيسة الجامعة ليتحسّس المؤمنون كافّة أهميّة الدعوة. ويتابع الأسقف تنشئة المرشّحين للخدمة الكهنوتيّة في أبرشيته لأنّه يعرف أنّه على أساس هذه التنشئة والتواصل الشخصيّ مع الإكليريكيّة والإكليريكيّين تنضج شخصيّة المدعو وتتزيّن بالعلم والفضيلة وتتهيّأ لإقامة أفضل العلاقات البشريّة عندما تبدأ رسالتهم لأنّ نجاح العلاقات مع الأشخاص هو مفتاح العمل الرسوليّ.
يهتم العديد من الأساقفة اليوم بتنشيط الروح الإرساليّ عند الإكليريكيّين وهم لا يتردّدون بإرسالهم خارج البلاد وأحيانًا خارج انتشار الكنيسة المارونيّة ليساهموا بالدور الإرساليّ للكنيسة الجامعة، بعد أن يكونوا قد تعرّفوا إلى حاجات أبرشيتهم وحاجات الكنيسة الجامعة. ويعي الأساقفة مسؤوليّتهم في منح سرّ الكهنوت لذلك يفحصون المقدمين إلى الكهنوت فحصًا دقيقًا سواء أكانوا من أبرشيتهم أم أتوا من أبرشيات أخرى أو من الجماعات الرهبانيّة متشاورين مع المسؤولين عنهم ليقفوا على حقيقة أمرهم.
6. العلاقة بالرهبان والراهبات
- يعتبر الأساقفة وجود الرهبان والراهبات في الأبرشيات عطيّة ثمينة من الله لأنّ هذا الوجود من شأنه أن يعزّز التثقيف الدينيّ والتبشير المسيحيّ ويقويّ خدمة المحبّة ناهيك عمّا تحمله المؤسّسات التعليميّة والإستشفائيّة التي يديرونها من خيور على كلّ الصعد. أمّا العلاقة الشخصيّة بين الأسقف والمكرّسين والمكرّسات فهي علاقة محبّة مسيحيّة واحترام عميق وتعاون جديّ ومشاركة في هموم البشارة الإنجيليّة وشجونها.
ويحرص الأسقف دائمًا على تمتين أواصر الودّ والمحبّة مع هؤلاء الذين تركوا كلّ شيء في سبيل المسيح فيكون لهم الأخ الأكبر والمثال، بينما يحفظ الرهبان والراهبات في قلوبهم عاطفة الأبناء والبنات الصادقة للأسقف ويحرصون على التنسيق معه بما يخصّ الأعمال الرسوليّة وأحيانًا الأمور الماديّة المتعلّقة بالأبرشيّة والبشارة فيها. أمّا إذا حصل عدم تفاهم على أمرٍ ما، وأدّى إلى الخلاف، فالقوانين الكنسيّة المرعيّة الإجراء والدائرة القائمة في الكرسيّ البطريركيّ هي تتولى المعالجة[20].
7. مكانة العلمانيّين في اهتمامات البطريرك والأساقفة
- أبرز المجمع الفاتيكانيّ الثاني دور العلمانيين واشتراكهم الفاعل والمسؤول في حياة الكنيسة وفقًا لمؤهّلاتهم. لذلك زاد البطريرك والأساقفة بعد المجمع في إفساح المجال أمام العلمانيّين للاضطلاع بمسؤوليّاتهم، على صعيد الأبرشيّة والرعيّة والمنظّمات والأفراد. وأخذت كلّ أبرشيّة تنظّم عمل العلمانيّين هذا. فأقامت المجالس الرعويّة ونشّطت الحركات الرسوليّة على أنواعها؛ وكان هناك أيضًا المجلس الأبرشيّ والمجلس الاقتصاديّ. ثم توسَّع العمل مع مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان فكانت اللجان الأسقفيّة للراعويات، كلجنة العلمانيّين ولجنة العيلة ولجنة التربية إلخ… التي تحاول أن تنسّق العمل على مستوى الكنائس الكاثوليكيّة كلّها. وحرص الأساقفة على إنشاء مراكز تنشئة للبالغين لتعميق الروحانيّة المسيحيّة وتعاليم الكنيسة في اللاهوت والليتورجيا، وللإنخراط في النشاطات الرعويّة المختلفة والمشاركة في مسؤوليّة البشارة. كما تكون لهم هذه المراكز معينًا ينهلون منه روحانيّة التزامهم بالمسيح وحياتهم بالإتحاد معه.
وعزَّز الأساقفة التعليم الدينيّ في المدارس الكاثوليكيّة وفي المدارس الرسميّة وحرصوا على إنشاء لجنة للتعليم المسيحيّ في لبنان أوّلاً ثمّ في الشرق فكان همّها الأساس تنشئة المعلّمين ومدّهم بالوسائل التربويّة الحديثة لمواكبة تفكير النشء، وجعله يتقبّل بشوق وحماس البشارة المسيحيّة. ومع ذلك تبقى أمور كثيرة تنتظر تحقيقها في هذا المضمار أو ذاك وأنّ التحديات اليوم أكثر من أن تُحصى أمام انتشار الإنجيل وعيشه (راجع نصّ العلمانيّين والشبيبة).
8. الزيارات الراعويّة
- يبقى أن نشير إلى الزيارات الراعويّة التي يقوم بها الأساقفة لرعايا أبرشياتهم يتفقدون خلالها أوضاع أبنائهم الروحيّين ويحرصون على الإطلاع من خلالها على حاجاتهم وقضاياهم ومسيرة الرعيّة على كلّ صعيد.
في الزيارة الراعويّة يمارس الأسقف خدماته التعليميّة والتقديسيّة والإداريّة. كما تتيح له الاجتماع بالفاعليّات الحيّة على أرض الرعيّة وبخاصة المجالس واللّجان والأخويّات والحركات الرسوليّة. ويحرص الأسقف أثناء لقاءاته المتعدّدة بألاّ ينسى المقعدين والمرضى ومن هم بحاجة إلى إلتفاتة منه أو تشجيع. وتنجح الزيارات بقدر ما يتمّ إعدادها مع خادم الرعيّة ومن ينتدبه المطران لهذه المهمّة.
9. كنيسة الانتشار
- أمّا في ما يتعلق ببلدان الانتشار فهناك اعتبارات أخرى تفرض نفسها على الأساقفة. إنّهم خارج نطاق الكنيسة البطريركيّة ومؤمنوهم متفرّقون في مساحات شاسعة تغيب عنهم الوحدة المنظورة في الأبرشيّة، فيصعب جدًّا على الأساقفة أن يتعرّفوا إلى معظم أبنائهم، وقد يستحيل عليهم أن يجتمعوا بهم. أضف إلى ذلك أنّ القسم الأكبر من الجيل الجديد يجهل لبنان والشرق وجذور الكنيسة الأم. وقد تباعدت المسافات بينه وبين الجيل القديم والمهاجرين حديثًا.
أمّا الصعوبة الأخرى فهي النقص المتصاعد في الكهنة وفي الدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة داخل كنيسة الانتشار. لكنّ الأساقفة بدأوا بمواجهة هذه التحديّات والصعوبات. والآمال معقودة على تعاون الأبرشيّات والرعايا فيما بينها من جهة، وعلى تكثيف الإتّصالات بينها وبين البطريركيّة من جهة ثانية (راجع نصّ: الكنيسة المارونيّة في انتشارها العالميّ).
الفصل الثالث: في سبيل تجدّد خدمة البطريرك والأساقفة
أوّلاً: روحانيّة البطريرك والأساقفة منطلق لتجديدهم
1. إنقياد للروح
- إنّ التجديد في حياة البطريرك والأساقفة ينبع قبل كلّ شيء من عمل الروح القدس الذي يجدّد باستمرار وجه الأرض (مز 103/30) ويخلق كلّ جديد أصيل في الكنيسة والروح يقود رؤساء الكنيسة إلى قراءة الواقع المعيش واستشراف المستقبل الآتي على ضوء المعطيات الثابتة في الكتاب والتقليد والتاريخ.
2. تأصّل في الإنجيل
- إنّ الماضي الحيّ في الذاكرة، والداعي في آن إلى الجذريّة الإنجيليّة والأصالة المشرقيّة للمحافظة على الهويّة المتأصّلة في التراث الإنطاكيّ المشترك من جهة، وفرادة الكنيسة المارونيّة في انطلاقتها الأولى من جهة أخرى، يتطلّب من البطريرك والأساقفة أن يعتبروا الإنجيل المقدّس ينبوع كلّ تجديد في حياتهم لذلك كان التجديد بالنسبة إلى الرعاة، ويبقى، تشبّهًا وتمثّلاً وإقتداءً بالراعي الأوحد يسوع المسيح، راعي الرعاة، الذي بذل نفسه عن الخراف على صليب الهوان ونزل إلى مقرّ الجحيم لينقذ بني آدم، وقام ليجمع المشتّتين منها إلى واحد. ويبقى حاملاً جروحاته، بصورة خارقة، لأنّ هناك خرافًا أخرى ليست من هذه الحظيرة يجب عليه أن يقودها هي أيضًا لتكون الرعيّة واحدة لراعٍ واحد (يو10/14-16).
3. نهل من الكتاب المقدّس
- أمّا كنز الأسقف الذي لا ينضب والذي يجد فيه قوته، وعزاءه وسلوى حياته فهو كلمة الله. لا يمكن للحبر الماروني إلاّ أن يعرف الكتاب المقدّس بعمق، كما كان يعرفه الآباء والأجداد ويجعل منه الرفيق الدائم في رسالته.
إن الروحانيّة المارونيّة تتجذّر في الكتاب المقدّس، في عهديه القديم والجديد؛ ويصعب أحيانًا كثيرة، فصل النصّ الليتورجيّ عن النصّ الكتابيّ كما تصعب عند الأسقف المارونيّ فصل الحياة التأمليّة عن الحياة العمليّة، لذلك نجد مثلاً أنّ المخطوطات المارونيّة القديمة[21] تتضمّن المزامير المئة والخمسين التي كان الموارنة يتلونها كاملةً كلّ يوم، موزّعة على ساعات النهار والليل السبع. وقد نُشرت أيضًا تفاسير لأسفار التكوين والخروج والأحبار، منسوبة إلى مار أفرام السريانيّ. وهذا ما يؤكّد لنا انغماس روحانيتنا لا بل حياتنا كلّها، بالوحي الإلهيّ.
هذا الوحي يتجلّى باستمرار في البعد الثالوثيّ كما صاغته “بواعيث” الفرض الإلهيّ مع “الآب الذي أرسل ابنه إلى العالم، والإبن الذي حقّق الخلاص بموته وقيامته والروح القدس الذي كمّل ويكمّل جميع الأسرار”. هذا التقسيم اللاهوتيّ له أصداء كثيرة في القدّاس وفي الأسرار والرتب وفي كلّ ما يفعله الرأس لأنّه أساس إيماننا وصانعه، ومصدر روحانيتنا ومآلها، وموضوع رسالتنا، ومبرّر وجودنا الوحيد.
4. تذكر للتاريخ الأوّل
- في العودة إلى الإنجيل يتذكّر البطريرك والأساقفة أنّ البدء المارونيّ لم يكن إلاّ انطلاقة روحانيّة دفعت القديس المؤسّس والرمز إلى أعلى جبال النسك ليغوص في أعماق النفس ويزهد بكلّ شيء ليربح الله. إن الدرب إلى المطلوب الأسمى والأوحد تمرّ حتمًا بدعوة إلهيّة يعرف الرعاة أنّها أبصرت النور عندما سمعوا في صباح الحياة كلمة السيّد: أترك كلّ شيء واتبعني. كلمة لا تغيب عن أذهانهم وعن حياتهم الروحيّة والزمنيّة لأنّها تذكرهم دومًا بدعوتهم الخاصة وبفرادتها في كلّ مكان وزمان. فرعاة القطيع الصغير اختاروا طوعًا ليربحوا الملكوت، (لو 12/32) أن يحملوا صليب سيّدهم (متى 10/38) ويلحقوا به على درب التاريخ الوعرة في واقع حياتهم الشائك.
لقد انقطعوا عن محيطهم القريب ليصلوا إلى المبتغى الأوّل من جهة ويوصلوا أبناءهم وكلّ ذي إرادة طيّبة إليه من جهة أخرى متّكلين قبل كلّ شيء على نعمته لا على حكمة بشريّة منهم، متسلّحين بحرارة الصلاة، وكفاية العيش، مزيّنين بالإيمان المستقيم على الرغم من ارتفاع كلفته إذ سلخهم عن ذويّ القربى وعن الأرض الخصبة ودفع بهم إلى بلاد غريبة استوطنوا فيها أعالي الجبال وعمق الوديان والكهوف ليحموا خراف القطيع وكنز العقيدة الصحيحة.
5. غرف من المعين الليتورجيّ
- هذه البدايات المكوّنة بقيت ماثلة في الذاكرة عندما بدأت خصائص الليتورجيا المارونيّة الأنطاكيّة في الظهور والتجمّع لتؤلّف مع ما حملت معها من كنوز السريانيّة التراث الأساس لروحانيّة الكنيسة ولآبائها الرعاة.
إنّ البطريرك، “القيّم الأوّل” على الليتورجيا والأساقفة حرّاسها، والناهلين منها، يدركون أنّ على المتقدم في الجماعة في كلّ آن ومكان، أن يكون أوّلاً “متّصلاً بالخدمة” مع من سبقه “صحيح الإيمان” ليكون خليفة بطرس والرسل باستقامة الرأي والتعليم، ساعيًا باستمرار إلى التحلي بمحبًة “الآب” القدّوس مزيّنًا بحياة فريدة تدعوه من جهة إلى مقاسمة حياة يسوع الراعي وتجعله بشراكة مستمرًة مع الروح.
6. سير على خطى الآباء
- إنّ حياة البطريرك والأسقف الروحيّة تطبع خدمته الرسوليّة وتعطيها القوّة الفاعلة والدفع اللازم لمواجهة الصعوبات التي تعترضها. لذلك يسهر الأحبار على استلهام من سبقهم ليتابعوا مسيرتهم ويستقوا من معينها الإرشادات.
وفي تاريخ كنيستنا يبقى الإيمان المتأصّل في الصليب[22] إحدى الثوابت الباقية على ممرّ الأيّام لذلك كانت الصفة الأولى لصلاة الرأس في الكنيسة، كما كانت عند الآباء الأنطاكيين، التكفير وغسل الخطايا. وبذلك يجد الحبر الدواء الخلاصيّ ودرب التوبة النصوح له ولأبنائه، من هنا تتزيّن صلاته الصباحيّة مثلاً بالمزمورين 50 (إرحمني يا ألله) و62 (إلهي، أنت إلهي) وهذا الأخير على حدّ قول يوحنّا فم الذهب: “ينعش حبّ الله، يوقظ النفس، ويلهبها بنار حيّة، ويملأها فرحًا ومحبّة، وحينئذ، نستطيع أن نقترب من الله…لأنّه، حيثما يوجد حبّ الله، تزول جميع الرذائل؛ وحيثما يوجد ذكر الله تتلاشى جميع الخطايا، ويمحى الشرّ”[23].
وإذا كان للأسقف ما يقرّبه لله، هو وكهنته ورهبانه وشعبه، فإنّما بكاء خطاياه وخطايا الجماعة باستمرار، إذ يردّد فيما يردّد: “خذّ هاتين الدمعتين الضعيفتين، وأعطني غفرانك العظيم” وإنّ الآباء بكوا إلى درجة أن “احتفر الدمع مجاري في خدودهم”[24]. هذه التوبة الشخصيّة تذكّر الأسقف بأنّه خادم لسرّ المصالحة الذي لا يتوانى عن قبوله هو شخصيًّا كواجب عميق كما يسهر على توزيعه، مع كهنته، على أبناء الأبرشيّة، لأنّه بذلك يعبّر عمّا كان يقوله الآباء باستمرار، عن سرّ الكنيسة، التي هي في ذاتها قديسة ولكنّها تتألّف من خطأة بحاجة إلى غفران الربّ باستمرار.
لكنّ التوبة والأصوام والتقشّف ليست غاية بحدّ ذاتها. إنّها الطريق إلى الفرح والرجاء والشكر لأنّها أوّلاً تحرّر النفس من ثقل العالم لتسلّمها إلى سلطان الروح وتحلّق بها ثانيًا لتضعها على أبواب الجنّة حيث يلتقيها عروسها السماويّ ليأخذها بين يديها ويدخل بها إلى المخدع السماويّ في بيت الآب لتكون معه إلى الأبد[25].
7. فقر رهبانيّ
- لقد كان على رأس الكنيسة المارونيّة طوال قرون عديدة بطاركة وأساقفة من أصل رهبانيّ. وهؤلاء الأحبار – الرهبان كانوا يمارسون في خدمتهم ما كانوا يمارسونه في أديارهم من تقشّف وصلوات وأصوام بالإضافة إلى حياة الفقر والطاعة والعفّة. ممّا دفع تيودوريطس إلى القول أنّ الأساقفة “يبدِّلون المهمّة ولا يغيِّرون الحالة”[26]. ولكنّ الحياة الرهبانيّة كانت منغرسة في حياة الطائفة والطائفة كانت تعيش على دقّات جرس الدير.
حياة الإلفة بين الدير ومحيطه تنعكس اليوم خاصّة في روحانيّة قرب الأساقفة من أبنائهم وشراكة المسؤوليّة بينهم وبين السيّد البطريرك والتضامن بين جميع أبناء الأبرشيّة والكنيسة. أمّا في حياتهم الشخصيّة فلا ينسون أبدًا أنّ أسلافهم العابقة سيرتهم بحياة الدير والقداسة كانوا يبيعون تيجانهم وصلبانهم لإطعام المحتاجين ويمشون حفاة مرتدين ثياب الفقراء ويوزّعون حسنات قداساتهم على البؤساء[27].
8. إتكّال على مريم
- يعتبر البطريرك وكلّ أسقف مارونيّ أنّ ما قاله السيّد من أعلى صليبه إلى يوحنّا: “هذه أمّك” (يو 19/27) إنّما يقوله لكلّ واحد منهم شخصيًّا ولكلّ شخص من أبنائهم.
فالكنيسة المارونيّة في ليتورجيّتها وكنائسها وأديارها، في نصوصها وتعابيرها، في سيرة أبنائها وأساقفتها وحياة قديسيها وقديساتها، ذات طابع مريميّ واضح. والعذراء التي يردّد نشيدها الموارنة حيثما حلّوا وأينما ارتحلوا مطلقين على البتول لقب “أمّ الله” هي سيّدتهم ومحاميتهم، شفيعتهم ومثالهم.
إنّ الأسقف عندما يأخذ مريم “في خاصته” (يو 19/27) أيّ في كلّ ما يعود إليه وإلى أبرشيته ماديًّا وروحيًّا إنّما يعتبر هذه الأمّ القديسة كنْزه الأثمن وغناه الأكبر وثروته الأعظم لأنّه يعتبر أنّ قبول مريم في حياته وقبول يسوع واحد. وهو يعرف أكثر من غيره أنّ المسيح ومريم باركا هذا الشعب في بساطته الفريدة وفي تعبيره الصّادق القلبيّ وتعلّقه الدائم بيسوع وأمّه.
مع مريم يواجه التحدّيات وما أكثرها، وبإيمانها العميق يتشبّه، وعلى مثالها يدخل في مشروع الله الخلاصيّ، متكلاً على هذه الأمّ التي لم يُسمع يومًا أنّ أحدًا إلتجأ إليها وخزي. لذلك كانت له مريم وستبقى أمًّا حنون، يرتاح إلى حمايتها متذكرًا أنّ أمّ الكنيسة هي خير أمّ لخلفاء الرسل أساقفة الزمن الحاضر.
9. شوق إلى حيث الربّ
- إنّ الروحانيّة المارونيّة التي يتحلّى بها الأسقف لمواجهة الحاضر والمستقبل تتميّز بنفحة نهيويّة[28]. فعلى الرغم من تعلّق الموارنة الشديد بأرضهم وبأوطانهم فإنّ السماء تبقى قبلتهم ومحطّ حجّهم الأخير. فهذا الشعب الذي ذاق طعم الغربة والفقر والتشرّد لم يعتبر يومًا أنّ أيّ أرض هنا تنسيه الأرض الجديدة أو تلهيه عن السماء الموعودة. من هنا يدرك الأسقف قبل غيره أنّ أرض معاده الحقيقيّة إنّما هي أورشليم السماويّة. وأهمّ عنصر في هذا البعد النهيويّ إنّما هو الربط بين القربان والقيامة، بين المناولة والحياة الأبديّة: “قد أكلتُ جسدك المقدّس، لا تأكلني النّار”. وفي هذا المجال غنى لا ينفد إذ يمكّن الحبر، قبل غيره، من عيش الرجاء المسيحيّ وسط المحن والشدائد على أساس ثابت ومتين إنطلاقًا من سرّ القربان الذي هو خبز حياة الأسقف اليوميّ وقوت أرواح أبنائه وعربون نعيم الجميع.
هذا الرجاء الكبير المترسّخ في قلوب الموارنة الذي هو حلية كنيستهم، دفع جملة باحثين[29] في التراث المارونيّ إلى اعتبار روحانيّة هذا الشعب روحانيّة سبت النور والنّزول إلى الجحيم والسّهر والانتظار، وترقّب أحد القيامة بعد الجمعة العظيمة. فالموارنة مع رعاتهم لم يتعبوا خلال ليل تاريخهم المأساويّ الطويل من البكاء مع مريم الفائضة دموعها على الخدّين. وإذا كان لهم من تعزية فإنّما يجدونها في هذه الأمّ المصوّرة أمامهم وجسد ابنها الميّت في حضنها قبل أن يحتضنه القبر. لكنّ في قلب العذراء الراجية سيبزغ فجر القيامة الآتي.
10. محبّة أبويّة
- في ختام هذا العرض السريع عن روحانيّة الحبر المارونيّ، الطّالعة علينا من أعماق تاريخ الكنيسة الأنطاكيّة السريانيّة نتوقف أخيرًا على البُعد الأبويّ والحبّ الراعويّ اللذين يجب أن يغمرا قلب الراعي في تعاطيه مع أبنائه وفي عيشه مع ربّه.
إنّ سؤال الربّ لبطرس: يا سمعان بن يونا أتحبّني أكثر من هؤلاء (يو 21/15) يبقى بالنسبة إلى الأسقف سؤال العمر وسؤال اللحظة الحاضرة.
كما أحبّ يسوع الآب وترجم حبّه طاعة تعلّمها بالتضرعات والآلام (عب 5/7-8)، هكذا يحاول الأسقف أن يقتدي بالسيّد الذي هو موضوع شغفه الأكبر ـ جاعلاً من حبّ الآب غاية حياته ومعنى وجوده. حبّ يجسّده خدمة وبذلاً في سبيل أبناء الأبرشيّة والكنيسة لأنّ كلّ شيء في حياته يصبو إلى تشيّيد الكنيسة المقدّسة بحبّه[30].
وتفيض محبّة الراعي على المؤمنين وتترجم أهتمامًا بهم وانتباهًا لحاجاتهم وقربًا منهم، من جهة؛ ومن جهة أخرى، جهوزيّة وتواضعًا، وبساطة عيش وبذلاً. يعاش ذلك في شراكة مع البطريرك والمصاف الأسقفيّ وفي تناغم مع الشعب فتصبح عندئذ رسالة الأسقف حافزًا لهم للسير قدمًا نحو الملكوت وتشجيعًا لكلّ متردّد على الإقدام، وحياة خصب للأفراد والجماعات. ويبقى الأسقف، على مثال بولس، مشدودًا شدًا آسرًا إلى مجيء الربّ يسوع الحيّ القائم الممجّد، فيظهر في حياته الشخصيّة وخدمته الرسوليّة، غيورًا على خلاص المؤمنين، يخاطبهم ويعيش معهم بحرارة وعاطفة واندفاع (1 تس 2/7-12).
ثانيًا: تحديّات الزمان والمكان
- هذه بعض ملامح روحانيّة الكنيسة المارونيّة التي يعيشها الأسقف ومنها يستمد تجديده الدائم وسلاحه الأمضى في خدمته حتى تتمكّن الكنيسة من جبه تحديات الحاضر والمستقبل، مستكشفة ثوابت التاريخ وعناصر الرجاء الكامنة فيها وفي مؤسّسها ليتخطّوا الصعوبات التي تعترض مسيرتها وتهدّد وجودها واستمراريتها.
1. مآسي الحروب والتشرذم في لبنان
- إنّ البطريرك والأساقفة يدركون ما آلت إليه أحوال مؤمنيهم في السنوات الأخيرة وما عانوه من ويلات الحرب في لبنان. هناك أبرشيات اجتاح رعاياها الدمار وهُجّر سكّانها. بالمقابل إكتظّت أبرشيّات بالوافدين إليها دون أن تكون مهيّأة لإستيعابهم ودمجهم في حياتها الطبيعيّة. أضف إلى ذلك إنحسار عدد السكّان الذي خلقته الحروب والهجرة وتبدّل الأوضاع الاجتماعيّة والأنماط السكانيّة، إذ أنّ كنيستنا كانت بمعظم أبنائها جماعة ريفيّة وحرفيّة فصارت اليوم بمعظمها مجتمعات مدنيّة وخدماتيّة. هذا الانتقال من الرّيف إلى المدينة نتج عنه، ولو بصورة غير مباشرة، إنتقال أراضي واسعة إلى غير أصحابها الأصليّين. وما يؤسف له أنّ الموارنة الذين كانوا منتشرين في كلّ المناطق ومتآلفين مع سائر الطوائف، انحسر دورهم بتضاؤل عددهم وعدم تمكّنهم من تعميق شراكة العيش والحياة، وهذه كانت إحدى مهام الكنيسة المارونيّة الرئيسة على مرّ التاريخ.
2. الذوبان في المحيط الأوسع
- أمّا بالنسبة إلى البلدان الأخرى والواقعة ضمن النطاق البطريركيّ، فأبناء الكنيسة أصبحوا أقليّة يخافون من الذوبان وفقدان الهويّة أو الخصوصيّة. يضاف إلى هذا صعود الأصوليّات التي تضيِّق على الحريّات الشخصيّة وتختزل الاختلافات وتستبدل الحوار بالعنف أحيانًا. ولعلّ بقاء منطقتنا ضمن دائرة التخلّف الاقتصاديّ والسياسيّ والعلميّ يزيد أمور الكنسية تعقيدًا.
أمّا كنيسة الانتشار فهي أيضًا معرّضة لمزيد من التشتّت كما أشار إليه بإسهاب نصّ الكنيسة في انتشارها العالميّ.
3. الأخطار الداخليّة[31]
- تأتي الأخطار الداخليّة من ضعف الشعور بضرورة الوحدة والتكاتف والتضامن وخمور الحسّ المؤسّساتيّ واتساع الهوّة الماليّة بين أبناء الأبرشيّة الواحدة أو بين الأبرشيات فيما بينها أو في الكنيسة عامّة، في مؤسّساتها وفئاتها، إلى فرديّة متأصّلة عند المسؤولين وارتجاليّة غالبًا ما توقّع في المزيد من الأزمات بدل أن تجد لها الحلول. ولكنّ ما يقلق البطريرك والأساقفة هو انتشار الشيع والأفكار الغريبة التي قد تفكّك جماعة عرفت بصلابتها وتماسكها الشديد.
كما يلاحظ البطريرك والأساقفة اتّساع الجهل المخيف في المعرفة الدينيّة لدى كثيرين من أبنائهم الذين لا يفقهون إلاّ القليل من العقيدة المسيحيّة سيّما وإنّ منهم من تخرّجوا من المؤسّسات التربويّة الكنسيّة. إلى هذا الجهل الدينيّ هناك تراجع في الثقافة والإنسانيّات على الرغم من مناهج تعليميّة متقدّمة جدًّا وربّما يعود ذلك إلى وسائل الاتصال الحديثة التي تروّج خاصّة للمال والسلطة والنجوميّة والمتعة الجنسيّة أكثر بكثير من الفكر والحضارة والعلوم والدين. ويتألم الرعاة أيضًا من غلبة قيم النجاح السريع والشطارة والرخاء واللّذة على قيم المثابرة والجديّة والقناعة والعفاف.
ثالثًا: معالم الرجاء
- إنّ ثوابت المارونيّة هي المنطلق في كلّ رؤية وخطّة عمل لجبه التحديّات والتجدّد الدائم في كلّ مكان وزمان. وإذا كان أسلافنا في الماضي قد استطاعوا قيادة الكنيسة بإلهام الروح والصمود، فبأولى حجّة وبالإتكال على الروح عينه والتسليم له والتشبّه بالراعي العظيم (عب 13/20) الذي قال: تقوّوا أنا غلبت العالم (يو 16/33) نستطيع اليوم درء الأخطار عن القطيع الصغير (لو 12/32) والمحافظة عليه لتصل السفينة إلى الميناء السعيد وهي حاملة الخلاص وخبز الحياة لكلّ جائع ومحتاج.
1. إستلهام المؤسّس
- يتذكّر الرعاة في حجّهم مع شعبهم باتجاه أورشليم الجديدة إنّ كنيستهم هي قبل كلّ شيء جماعة تتبع المسيح وتزهد بمغريات الدنيا في سبيله. لقد طبعها مؤسّسها القديس بطابعه النسكيّ وهي لا تستطيع أن تخرج من جلدها مهما كثرت الإغراءات وازدهرت المؤسّسات ونمت الجماعات.
2. تمتين الوحدة والشراكة
- ويتذكّر الرعاة أيضًا أنّ قوّة كنيستهم تكمن في اتّحاد شعبهم ببطريركهم والإلتفاف حوله فهو أبو العائلة ورئيس الدير وقائد الشعب ومرجعه.
مع بطريركهم يؤلّف الأساقفة، الحلقة الأسقفيّة المناط بها مهام التقديس والتعليم والتدبير التي تمارس ضمن الشراكة الواحدة، لأنّ بنية الكنيسة المارونيّة هي في الأساس بنية مجمعيّة. لذلك فالخدمة الرسوليّة في كنيستنا تحمل طابعًا جماعيًا لأنّ المسؤوليّة بالنهاية يتحمّلها الجميع فعلى الجميع المشاركة في اتخاذ القرار.
3. التشبث بالروح المجمعيّة
- إنّ الروح المجمعيّة التي تتحلّى بها كنيستنا تنبع من هويتها البطريركيّة ومن روحانيّة الإرسال الجماعيّة والشراكة الكنسيّة. وتبعًا لذلك فالبطريرك والأساقفة مسؤولون معًا في جبه التحديّات متضامنين، وإيجاد الحلول وحمل رسالة الخلاص إلى النفوس.
إنّ روح الشراكة تتخطّى النظر في القضايا الظرفيّة والأمور السياسيّة الطارئة إلى استعراض المشاكل ومصادر القلق والقضايا الّتي تهم المجتمعات الّتي يقيم فيها الموارنة. فتعمل عندئذ الكنيسة بما تمليه عليها طبيعتها كمعلّمة ومقدّسة ومدبّرة ملتزمة بشعبها ومضطرة للإجابة على تساؤلاته العميقة الّتي تعنيه كأفراد وكجماعات.
4. حمل كلمة الخلاص من قبل جماعة حيّة
- إنّ البطريرك والأساقفة يلقون على شعبهم دائمًا كلمة الخلاص والتعزية والفرح والرجاء لمواجهة المهمّات الصعبة الّتي تعترضهم مع الشعور بأنّهم يعملون معًا من أجل الملكوت مدركين أنّهم الخميرة في العجين والضوء فوق المنارة (متى 5/14-16).
إنّ روح الشراكة تدعو إلى التفكير معًا لتشخيص الواقع ووضع الخطط والتدابير الّتي تدفع كل مؤسّسة في الكنيسة الى أن تفعل ما يجب عليها فعله. وبهذه الطريقة تجعل الكنيسة المارونيّة من مجلس الأساقفة حول البطريرك ومن كهنتها ورهبانها وراهباتها وسائر فاعليّاتها جماعات حيّة واعية لما هي عليه وتسعى، بالتزام وجديّة، لتصنع الحقيقة بالمحبّة في سبيل تحقيق هويّتها ورسالتها متّكلة بذلك على سيّدها وعلى قوى تاريخها وتقليدها وقديسيها وشعبها.
5. تعزيز الروح المسكونيّة
- لأنّ الكنيسة المارونيّة كنيسة أنطاكيّة لا يسع الرعاة إلاّ التجذّر في العمق الروحانيّ الأنطاكيّ الذي لا يُنسيهم البُعد المسكونيّ. إنّ الوحدة الأنطاكية ليست فقط ثمرة جهود جبّارة تبذل على المستويات اللاهوتيّة والقانونيّة والراعويّة بل هي، قبل كلّ شيء، مسيرة توبة وارتداد ليتجلّى الربّ في حياة محبيه والمؤمنين به. كما إنّ الوحدة الأنطاكيّة هي مدخل إلى وحدة تشمل الكنيسة كلّها، خاصّة في الشرق، لما لهذه الوحدة من إنعكاس على الحضور المسيحيّ والشهادة الإنجيليّة (راجع نصّ: هويّة الكنيسة المارونيّة ودعوتها).
6. الإغتناء من التراث وإغناؤه
- والتجذّر الإنطاكيّ يؤدّي إلى الغوص في التراث السريانيّ الحامل روحانيّة كنيستنا المميّزة وكنْزها الغنيّ. إنّما يقتضي ذلك وضع خطّة للعودة إلى هذه الينابيع الأصيلة ينهل منها الإكليروس والشعب كتابيًّا وآبائيًّا وطقوسيًا وروحيًّا. والتأصّل في التراث السريانيّ يدخلهم في صلب الحضارة العربيّة التي يسهمون فيها بإبداعهم الفكريّ. فالعربيّة المنثقفة بالروح المسيحيّة ساهم فيها الموارنة وعملوا على إيجاد حضارة العيش المشترك مع المسلمين والتواصل مع الحداثة.
وبما أنّ لأساقفة الانتشار دورهم في نقل تراث المارونيّة إلى حضارات ولغات جديدة فهم مؤهّلون أكثر من غيرهم أن يوظّفوا هذا التراث في خدمة الكنيسة وفي حضارة التلاقي بين الشعوب.
7. العيش المشترك
- إنّ العيش المشترك من ثوابت تاريخنا وتقاليدنا التي دفعتنا إلى أن نعيش مع مختلف الطوائف ونكوّن وإياهم مجتمعًا واحدًا ووطنًا واحدًا. مع المحافظة على تراث الانفتاح شرقًا وغربًا فلقد كان أبناؤنا طليعين بحفظ الثقافة العربية ونشرها وإغنائها؛ ومنهم من درسوا الإسلام وجلّوا في أبحاثهم عنه، خاصّة بالغرب، فشرحوه وقرّبوه من أذهان المنتمين إلى الحضارات الأخرى. يهمّ الأساقفة أن يعزّزوا النظرة الوفاقية مع اعترافهم بالتنوّع والاختلاف عند الطوائف التي تؤلّف النسيج الاجتماعيّ. وتبقى التوافقيّة السياسيّة همّهم الأساس فيعملون على ترسيخها وترجمتها في أطر متعدّدة تسمح للجماعات والأفراد بالحصول على حقوقهم كافّة. ويعمل الأساقفة على إيجاد المساحات المشتركة حيث يلتقي أتباع الديانات المختلفة. فتصدر عنهم تيّارات فكريّة واجتماعيّة وسياسيّة تعزّز العيش المشترك وتطوّر صيغته السياسيّة لتتلأم والحاجات.
8. ثبات وشهادة
- يدرك الرعاة أنّ عليهم أن يعملوا مع المؤمنين حتى يكون حضورهم فاعلاً ومؤثّرًا وحاملاً شهادة الإنجيل بامتياز فلا يخافوا من أن يجابهوا بفطنة ووداعة التحديات سواء أتت من التعصّب الدينيّ أو من الإلحاد أو من الماديّة السهلة والغارقة في الإباحيّة، أو من الإستهتار بالقيم الأخلاقيّة والمثل. كما يتنبّهون باستمرار لخطر الشيع والبدع ومواجهتها، خاصّة بالسهر على التنشئة الدينيّة الجديّة والعميقة على مستوى الأولاد والشبيبة وعلى مستوى البالغين والكبار.
9. توسيع ولاية البطريرك
- ولصون الوحدة بين كنائس الانتشار والبطريركيّة وترسيخها فلا بدّ من الإعتراف بحقّ ولاية البطريرك على أبنائه في كلّ مكان. (راجع نصّ هويّة الكنيسة في انتشارها العالميّ).
10. رسالة عالميّة
- يحرص المجمع على ألاّ يسجن المارونيّة في وطن أو في قوميّة إدراكًا منه أنّ هذه الكنيسة المشرقيّة عرفت انتشارًا واسعًا.
هذا يعني أنّ المارونيّة تتخطّى حدود الأوطان لتصل إلى دور الكنيسة الجامعة. وفي دورها هذا تظهر عمل الله في التاريخ وفي العالم؛ فالبطريرك والأساقفة على حدّ قول البطريرك الدويهي: “يسلّطون تدبير الله على مناطقهم” وأبرشيّاتهم بالأساس، ويقودون شعبهم ليشهدوا لفعل الله هذا وقصده في كلّ مكان وزمان.
- ونلاحظ مجددًا أنّ روح “الرسالة إلى الأمم” تتفرز في الكنيسة المارونيّة. هذه الديناميّة الجديدة تخبئ مفاجاءات سارّة لمستقبل الكنيسة إذ تضعها في قلب رسالة كلّ كنيسة وهويّتها الأصليّة كما أنّها تجعلها أكثر أمانة لوصيّة السيّد الأخيرة: “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم” (متى 27/19).
لذلك يشجّع البطريرك والأساقفة انفتاح الكنيسة على الرسالة الجديدة التي تطلقها إلى أبعد من حدودها المألوفة. إنّ الانفتاح على “البعد الإرساليّ” وشدّ الأواصر بين الكنيسة في النطاق البطريركيّ وفي الانتشار يبلوران الصلة بين الكنيسة في النطاق البطريركيّ وفي بلاد الانتشار ويجعلون للكنيسة المارونيّة مكانًا مميّزًا على الخريطة الإرساليّة.
11. رؤية موحّدة
- انطلاقًا من كلّ الاعتبارات التي سبقت يتبيّن أنّ دور البطريرك مع مجلس أساقفته، هو دور من يرفع مستوى المعطيات التاريخيّة إلى دور الملهم فيعملوا بموجبها ويؤسّسوا عليها مستقبل الكنيسة. وفي هذا العمل يبقى البطريرك ضامن وحدة المارونيّة في تركيبتها ونظامها واستمراريتها كما كان خلال التاريخ. هذا ما يحتِّم عليه أن يسعى إلى جمع المؤسّسات الكنسيّة من رهبانيّة وروحانيّة وعلمانيّة تحت سلطته. ضمن هذه الرؤيا الموحّدة بقوّة الأمانة لمار مارون ولرسالة الكنيسة الجامعة يعمل الروح بمواهبه في شعبه كلّه، من بطريرك وأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين ليغنيهم جميعًا فيغنوا محيطهم ويتمجّد بهم الله.
إنّ قوّة الموارنة هي في الأمانة للجذور والينابيع التي انطلقت منها المارونيّة كما قال البطريرك الدويهي إنّ الأصل هو المصدر الذي تتفجّر منه كلّ ما في المارونيّة من حيويّة وقوى لاهوتيّة وروحيّة تغذّي رسالتها في العالم. لكنّ هذه القوى تبقى إمكانيات تنادي من يجسّدها ويوسعها. إنّها تحتاج إلى قدّيسين وأبطال وعلماء ليظهروها ويؤونوها خدمة للكنيسة.
12. الكلّ لا ينسي الجزء
- دعوة الكنيسة الشموليّة لا تنسيها أبدًا هموم الداخل والهمّ الأوّل للبطريرك والأساقفة يبقى نقل الإنجيل ونشره. إنّ البشارة الجديدة والمتجدّدة كما كان يسميها البابا يوحنّا بولس الثاني تقتضي بإعادة التنشئة الإيمانيّة للمعمّدين في كلّ المجالات. إنّ النصوص المجمعيّة حدّدت المجالات الراعويّة والبنى الكنسيّة والقطاعات والهيئات التي يشملها التجدّد، وأولت الشبيبة والعائلة والمرأة إهتمامًا خاصًا. ويأمل آباء المجمع أن تتكاتف الجهود كلّها حتى يؤتي المجمع ثماره كما يؤكّدون على التزامهم بتفعيل كلّ الطاقات في سبيل ذلك. ومن هنا تنبع الحاجة إلى رسم سياسة رعويّة متكاملة.
13. رسم سياسة رعوية
- إنّ الرعيّة تغيّرت اليوم فصارت كبيرة جدًا ولم يعد هناك علاقة وطيدة مع الكاهن ومع المؤمنين؛ حتى الرعيّة القرويّة صارت رعيّة صيفيّة في أغلب الأحيان. بالإضافة إلى ذلك هناك واقع العلمنة الطاغي في رعايا الانتشار والذي بدأ يطال المجتمعات الشرقيّة في عصر العولمة والإنترنت. وهذا التعلمن يدعو إلى فك الارتباط بين الإنسان والله وكلّ ما يرتبط به. فالإنسان الذي يعيش فقط في إطار الحياة الماديّة المنظورة لم يعد يرى الله فيها ولم يعد يبحث عنه في أيّ خيار يأخذه لحياته.
من هنا تأتي حاجة البطريرك والأساقفة مجتمعين وكلّ ضمن أبرشيته، إلى ترسيم سياسة جديدة لنشر البشارة الإنجيليّة تنطلق من كون الأسقف هو رأس لجسد حيّ وعليه أن يتأكّد من وجود هذا الجسد الحيّ مهما كان صغيرًا فيعمل معه في سبيل نهج رعويّ جديد يقوم في ما يقوم على:
- تنشئة الكهنة على الروح الإرساليّة داخل الرعيّة فيذهبون إلى البيوت والأحياء والوظائف ولا يكتفون بما يمارسون اليوم.
- · مساعدة الكاهن لتخصيص الوقت الأكبر من نشاطه لإعادة التنشئة المسيحيّة ليعود الإيمان إلى الحياة فيصير التناغم مع العقيدة والأخلاق المسيحيّة.
- · العمل على خلق جماعات رعويّة شاهدة وحيّة ضمن الرعيّة تساعد الكاهن في عمله ولها مدى إنسانيّ يجعلها تجسّد الإنجيل في الكنيسة المحليّة.
- العمل على تفريغ كهنة الرعايا ونوّابهم للعمل الرعويّ دون سواه.
- تعميق المعرفة الدينيّة للبالغين والعائلات من خلال المحاضرات ومعاهد التنشئة والمجلات الدينيّة…
- متابعة العمل مع الحركات الرسوليّة والشبيبة والأولاد وربط هؤلاء بعائلات حيّة اختبرت الله وتشهد لحضوره في العالم.
خاتمة
- إنّ جميع الإصلاحات التي كانت تقوم بها الكنيسة على ممرّ الأيّام كانت تبغي الاقتراب أكثر من الينابيع الإنجيليّة التي تترجمها كلّ جماعة بالعودة إلى حياة الشراكة الحقيقيّة على مثال المسيحيّين الأوائل الذين كانوا مواظبين على تعاليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلاة (رسل 2/42).هذه الصورة البهيّة هي الأصل والمبتغى لأن كلّ حياة كنسية تطمح إلى أن تجسّد كلمات يوحنّا برسالته الأولى (1/3-4) التي تتحدث عن شراكة المؤمنين مع الآب والابن. شراكة يصنعها الروح على المستويين إذ ينشئ شراكة البشر مع بعضهم البعض ويربطها بالشراكة داخل الثالوث.
- هذا الروح هو معلم البطريرك والأساقفة الداخليّ لأنّه بدون الروح تبقى مهام الأحبار بدون فاعليّة: يبقى الله بعيدًا والإنجيل حرفًا والرسالة دعاية والعبادة استعبادًا والسلطة تسلطًا والكنيسة مؤسّسة بشريّة. ولكنّ بالروح يشارك البطريرك والأساقفة يسوع المسيح في عمله الخلاصيّ متكرّسين لخدمة الإنجيل كبولس (رو 15/16) حتى تصير جميع الشعوب قربانًا لله فتعود الخليقة وتتحضّر لولادة جديدة ويقوى الإنسان بتعاليم الأحبار على محاربة الشهوة وصنع الخير ويصير الإنجيل قوّة حياة والبشارة عنصرة جديدة والكنيسة شركة حقّة. ولا ينسى الأساقفة أبدًا أنّهم رعاة على مثال الراعي الصالح، لا قادة زمنيّين وإن اضطّرتهم الظروف أحيانًا إلى القيام بهذا الدور. والراعي يرشد ويوجّه ويجمع حتى تسود روح الوحدة بنيه، داعيًا الكلّ إلى استثمار كلّ طاقة وموهبة من أجل بنيان الكنيسة.
- إنّ الكنيسة المارونيّة إدراكًا منها لمركزيّة الروح في حياتها وفي تاريخها كانت تعطي الأهميّة القصوى لسرّ الميرون المقدّس. لذلك تستطاب العودة في ختام هذا النص المجمعيّ إلى ختام رتبة تكريس الميرون.
جاء في الرّتبة ما يلي: “يقرأ [البطريرك] السلام لجميع الحاضرين ويختمهم بالصليب لكونهم مدهونين به. وبعد تقدمة الشكر لله يصعد على المنبر […] فيرشم في الميرون ثلاث صلبان إلى كلّ واحد من أربع أوجاه الدنيا، رسمًا إلى السيّد المخلّص الذي، عند صعوده إلى جبل الزيتون رفع يديه وبارك تلاميذه، وأعطاهم الأمر أن يخرجوا إلى أربع أقطار الأرض ويتلمذونهم ويعمدونهم باسم الثالوث المقدس، فيستحقّون الدخول إلى أورشليم العاليّة التي لها ثلاث أبواب مفتوحة على كلّ واحد من أربع أوجاه الدنيا”[32].
هذه هي الكنيسة المارونيّة في أبهى صورها. خرجت من الميرون، الذي قدّسه بطريركها المحاط بالأساقفة والإكليروس والشعب، حاملة إلى العالم إنجيل سيّدها المسيح ومختومة بصليبه. هذا الختم، الذي لم يفارقها أبدًا هو أيضًا “قوّتها ودرعها لمناضلة العدوّ”. بهذا الصليب يدعو السيّد البطريرك جميع أبنائه ليختموا “أربع أوجاه الدنيا”. فيكون لهم الجسر الذي يعبرون عليه نحو “أورشليم العليا”[33].
توصيات النصّ وآليات العمل
الموضوع |
التوصية |
الآليّة |
1- الرياضة الروحيّة السنويّة.
|
1- نظرًا إلى أهميّة الرياضة الروحيّة السنويّة في حياة المطارنة وتجدّدهم الراعويّ، تقرّر فصل الرياضة عن المجمع. |
1- يخصّص وقت للرياضة ووقت آخر للمجمع في بداية شهر حزيران من كلّ سنة.
|
2- الشارات الحبريّة.
|
2- تبسيط الشارات الحبريّة لتتلاءم مع روح البساطة الإنجيليّة.
|
2- يعتمد تاج بسيط مع كتابة ورموز سريانيّة، وعصًا معدنيّة أو خشبيّة تعلوها الكرة الأرضيّة المتوّجة بصليب على سبيل المثال… |
3- الزيارات الراعويّة.
|
3- نظرًا إلى ما تشكله الزيارات الراعويّة من فرصة للتعرّف إلى الناس، لا بدّ من تكريس وقت كافٍ لها من أجل الوقوف على أحوال الرعيّة. |
3- تمتّد الزيارة إلى الرعيّة من يوم إلى عدّة أيّام، فيجتمع فيها الراعي مع مختلف الفئات والهيئات، ويطلع على كلّ النشاطات، ويتفقد المرضى. |
4- المشاركة في المسؤوليّة. |
4- تعزيز عمل المؤسّسات والمجالس العلمانيّة والإكليريكيّة.
|
4- تدارُس جميع القرارات التي تهمّ الأبرشيّة مع الهيئات المختصّة وتفعيل المجالس التي ينصّ عليها القانون. |
5- الحياة الروحيّة في المطرانيّة. |
5- يسهر المطارنة على إنعاش الحياة الروحيّة في مراكزهم. |
5- صلوات وقداسات مشتركة مع كهنة المطرانيّة إذا وجدوا. |
6- روح الفقر وبساطة العيش.
|
6- يعتمد المطارنة في حياتهم بساطة العيش وروح الفقر.
|
6- بالإضافة إلى بساطة العيش، يخصّص كلّ مطران جزءًا ممّا يتوفّر له من مداخيل لمساعدة المحتاجين، ولدعم صندوق الكاهن في الأبرشيّة. |
1. مخطوط بكركي 1 (1670): كتاب الرسامات.
2. كتاب الشرطونيّة ـ نسخة المطران بولس عواد 1915 المنقولة عن شرطونيّة بكركي، ص. 167.
3. 1 بطرس 5/1 – 4.
4. كتاب الشرطونيّة، ص 187.
5. المرجع ذاته، ص 191 – 192.
6. المرجع ذاته ، ص 196.
7. رتب الدويهي – مخطوط الفاتيكانّ السريانيّ 312 (1683)، الفصل الثامن 12 ب.
8. رتب الدويهي – مخطوط الفاتيكانيّ السريانيّ، ص 111 – 112.
9. ترجمة عن السريانيّة القس يوسف حبيقة البسكنتاويّ الراهب اللبنانيّ.
10. المرجع ذاته، الفصل 23، ص 72 – 73.
11. الهدى، نشرة الأباتي بطرس فهد، ص 201 – 205.
12. عيّن الراهب أشعيا، من دير قزحيا، رئيسًا على دير مار يوحنّا الكوزبندو في جزيرة قبرس، كما هو مدوّن على إنجيل رابولا.
13. راجع: التلمحري وسعيد ابن البطريق والمسعودي (التنبيه والأشراف) لقد أورد هذه المراجع الأستاذ جوزيف زياده في كتابه:
La Hiérarchie Maronite. Sa résidence CAL Editeur 1955, p.8
14. راجع مجلّة المنارة، العدد الأوّل سنة 1983، صفحة 168.
15. شرطونيّة المطران بولس عواد، رتبة وضع اليدّ على الأسقف والمطران.
16. كتاب ميمر الكهنوت، ص 75.
17. كتاب ميمر الكهنوت، ص 104- 135.
18. راجع: مرسوم في الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، عدد 7.
19. راجع: نص الليتورجيا.
20. راجع قوانين الكنيسة الشرقيّة، ق 284 و415.
21. راجع مثلاً: مخطوط فلورنسا 1 ـ 12 من سنة 1318 (المرجع ذاته ص 86 ـ 87).
22. راجع: بخصوص روحانيّة البطريرك والأسقف محاضرة الأباتي يوحنّا، “خصائص الليتورجيا الأنطاكيّة”، الإثنين 3 آذار 2003، منشورات جامعة الروح القدس ـ الكسليك، فمنها تستوحى معظم الأفكار الواردة في هذا القسم.
23. المرجع ذاته، ص 80.
24. المرجع ذاته، ص 89، يضيف الأب ميشال الحايك في مقاله عن الروحانيّة المارونيّة أن هناك تقليدًا يؤكّد على أنّ دموع النسّاك التائبين هي في أساس مياه وادي قنوبين كما أنّ المخيّلة الشرقيّة تشبه دموع التوبة بمياه المعموديّة، غاسلة الخطايا.
25. راجع: ميشال الحايك، روحانيّة الكنيسة المارونيّة في: Dictionnaire de spiritualité, col. 644
26. راجع: مقالة الأب ميشال حايك عن الكنيسة المارونيّة في: Dictionnaire de la spiritualité, col. 639 (on change de condition, non de vie)
27. راجع: سيرة البطريرك يوسف التيان، وما ورد عنه بقلم الخوري فريد حبقوق في العدد 21 تشرين الثاني 2004، ص 48- 49 من مجلّة صوت الراعي التي تصدرها أبرشيّة طرابلس المارونيّة.
28. المرجع ذاته، ص 87.
29. Jean TABET, l’Eschatologie dans l’office maronite, dans Parole de l’Orient, II/1 (1971), p. 5-29.
Marcel HADAYA, l’office maronite du Samedi Saint, Kaslik, Liban, 1995.
Michel HAYEK, Maronite (Eglise), dans Dictionnaire de Spiritualité, t. X, Beauchesne, Paris, 1980, col, 627-644.
L’Abbé Youssef SAMYA, Maronites au présent, Libanica III, coll dirigée par Youakim MOUBARAC, Cariscrip