مقدّمة
- “كلّ حَبر يُؤخذ من بين النّاس ويُقام لدى الله من أجل النّاس” (عب 5/1).
الكاهن، كما الأسقف والشمّاس، هو إنسان مأخوذ من بين الناس ولخدمة الناس على مثال يسوع المسيح. والله يدعو، إلى الخدمة في الكهنوت، أناسًا من أوساط بشريّة وكنسيّة خاصّة ومتنوّعة تمهرهم بطابع خاصّ وإليها يُرسَلون لخدمة إنجيل المسيح.
فجوهر الكهنوت وهويّة الخدمة الكهنوتيّة ينبعان من كهنوت المسيح، الكاهن الأوحد والأعظم والوسيط الأوحد بين الله والبشر. وهما في المعطيات الأساسيّة الكتابيّة واللاهوتيّة مشتركان في الكنيسة جمعاء. ولكنّ كنيستنا المارونيّة تتميّز بخصائص تجعلها تخدم في الكهنوت بحسب الموهبة التي وُهِبَت لها.
وبما أنّ كهنتنا في الألفيّة الثالثة هم مدعوّون إلى الخدمة في الظروف الرّاهنة التي تعيش فيها كنيستهم بعد أن صارت منتشرة في بلدان العالم كلّه،
وبما أنّه لا بدّ من التوفيق بين مقتضيات كنيستهم وحاجاتها الرّاهنة وبين الخدمة الكهنوتيّة المطلوبة،
رأى هذا المجمع أن يخصّ الكهنة بنصّ يدرس ما في تراثنا الأنطاكيّ السريانيّ المارونيّ من ثوابت لاهوتيّة تتعلَّق بالخدمة الكهنوتيّة والدعوة والتنشئة المناسبتين لها، ثمّ يحدّد ممارستها في الماضي والحاضر، لكيما يصل في النهاية إلى طرح اقتراحات وتطلّعات مستقبليّة تُسهِم في تجديد الكهنة، ومن خلالهم في تجديد كنيسة المسيح في الخصوصيّة المارونيّة.
الفصل الأوّل: طبيعة الكهنوت ومتطلّبات الخدمة الكهنوتيّة
أوّلاً: الثوابت اللاهوتيّة في طبيعة الكهنوت وهويّة كهنوت الخدمة في التراث الأنطاكيّ السريانيّ المارونيّ
1. معنى لفظة “كهنوت”
- تجدر الإشارة إلى أنّ التراث الأنطاكيّ السريانيّ المارونيّ يميّز في الكهنوت بين لفظتين تحمل كلّ منهما دلالةً خاصّة. لفظة “الكهنوت” المشتقّة من السريانيّة، إمّا من “كُهنُوتُو”، ومعناها “التقديس وخدمة القدّاس وتقدمة الذبائح”، وإمّا من “كَهِينُوتُو”، ومعناها “الخصب والعمران”[1]. ولفظة القسوسيّة، “قَشِيشُوتُو”، المشتقّة من السريانيّة، ومعناها خدمة الشعب وتروُّس الجماعة[2].
واستعمال اللفظتين معًا في المراجع الليتورجيّة يبيّن تكاملهما في شخص من يقبل الكهنوت، تمامًا على شبه تكاملهما في شخص المسيح الكاهن الأوحد والأبديّ ومصدر كلّ كهنوت إن في العهد القديم أو في العهد الجديد، ما يدعوه بالتالي إلى أن يعيش بوفاءٍ روحانيّة كهنوته ويلتزم بإخلاصٍ ما تتطلّبه الخدمة الكهنوتيّة.
ويَستعمل كتاب الرسامات في مختلف الدرجات الكنسيّة لفظة “شرطونيّة” في العربيّة، “وخيرُوطُونِيا” في السريانيّة، وهي نقل عن اللّفظة اليونانيّة “كيروتونيا” التي تعني وضع اليد. ويستعمل أيضًا لفظة “سِيامِيد” بالعربيّة، وهي نقل عن السريانيّة “سيُوم إيدُو”، أيّ وضع اليد.
ووضع اليد هذا يعني دعوة النعمة الإلهيّة وعطيّة الروح القدس ويمنح الكهنوت والقسوسيّة[3].
2. طبيعة الكهنوت
- طبيعة الكهنوت في تراثنا الأنطاكيّ السريانيّ المارونيّ هي مستقاة من الكتاب المقدّس وتتجلّى في طقوسنا وكتبنا الليتورجيّة. ذلك لا بأنّ الليتورجيا التي طبعت دومًا إيمان أبناء كنيستنا هي منبر التعليم، وبالتالي فهي شرح للكتب المقدّسة بالقراءة والتأمّل الطويل والصلاة والإنشاد. وهي تتمحور على شخص المسيح، وحيد الآب، في تدبيره الخلاصيّ، المتجلّي في بيعة القدس بفعل الروح القدس.
فالكهنوت في مفهومنا ينطلق من “يسوع إلهنا الذي هو مصدر الكهنوت الأوحد ومبدؤه، لأنّه هو عظيم أحبار اعترافنا” (عب 3/1)[4]. منه كلّ كهنوت، إنْ في العهد القديم أو في العهد الجديد. فالكهنة قبله كانوا صورة عنه، وقد تقدّسوا به. والكهنة بعده أقيموا على يده وبواسطته أيضًا يخدمون.
- في الكهنوت الذي كان قبل المسيح، يشير تراثنا إلى محاور ثلاثة تنبثق كلّها من المسيح “عظيم الأحبار الأوحد” وتكتمل فيه:
- كهنوت آدم الذي “جبله الله منذ البدء ليرتِّل له التسبيح ويرفع الشكر عن المخلوقات كلّها” وسلّطه على الكون جاعلاً إيّاه “كاهنًا وَحبرًا وملكًا”[5].
- كهنوت ملكيصادق الذي “كان كاهنًا لله العليّ” (تك 14/18) “وهو على مثال ابن الله ويبقى كاهنًا أبدَ الدهور” (عب 7/3)[6].
- كهنوت هارون الذي أقامه موسى للشعب اليهوديّ لكي يقدّم الذبائح لله[7].
- أمّا الكهنوت الذي أنشأه “الكاهن الأوحد والأبديّ” يسوع المسيح في شخصه لخدمة الشعب الكهنوتيّ الذي هو الكنيسة، فهو الكهنوت المسيحانيّ أو البيعيّ. إنه الكهنوت الذي بدأه المسيح الابن قبل الدهور وتمّمه بتجسُّده وموته على الصليب، مكمّلاً بذلك كهنوت العهد القديم، ولا يزال يواصله وهو عن يمين الآب حيث هو جالس يشفع لنا على الدوام (عب 7/25). إنّه الكهنوت الذي يصبح بالمسيح “تقدمة قربان” أو افخارستيّا حيث المسيح ابن الله، الذي صار إنسانًا، يقدّم ذاته الإنسانيّة بكاملها قربانًا لأبيه وفداءً عن البشر لخلاصهم. إنّه “الكهنوت الحقّ” أيّ الوحيد الذي حقّق وساطة أصيلة ونهائيّة بين الله والنّاس[8].
وهو الكهنوت عينه الذي وكَلَه المسيح إلى كنيسته العروس بقوّة الروح القدس، وهو يستمر في الكنيسة عبر الرسل وخلفائهم الأساقفة الذين يمنحونه “مَن هم أهل ليقوموا بخدمة الثالوث بالنقاوة ويتفرّغوا لها كلّ أيّام حياتهم”[9]. فقد “سلّمه أوّلاً إلى سمعان رئيس الرسل، وعلى يده إلى البيعة المقدّسة حتى انقضاء العالم”[10]؛ ثمّ “إلى الرسل والرسل إلى البيعة”[11]؛ “والرسل أقاموا من بعدهم شمامسة وكهنة ورؤساء كهنة اقتبلوا عن غير استحقاق سلطان الكهنوت”[12].
3. في هويّة الخدمة الكهنوتيّة
- السيّد المسيح، الذي “قدّسه الآب وأرسله إلى العالم” (يو 10/36)، “لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدم ويبذل نفسه فداءً عن الكثيرين” (متى 20/28)، وقد أشرك جسده السرّيّ كلّه بكهنوته بحيث يصبح المؤمنون جميعهم كهنوتًا مقدّسًا وملوكيًّا. ثمّ أقام فيهم خدّامًا يتمتّعون بسلطان الكهنوت المقدّس ليمارسوا علنًا باسمه رسالته الخلاصيّة بين البشر وخدمته في التعليم والتقديس والتدبير.
والكاهن، في موهبة الروح القدس التي ينالها من الأسقف بوضع اليدّ وفي الخدمة التي يتسلّمها، يشترك في كهنوت المسيح ويدخل في شركة خاصّة ومميّزة مع الآب والابن والروح القدس، بحيث يرسله الآب بواسطة الابن ليعيش ويعمل بقوّة الروح القدس لخدمة الكنيسة وخلاص العالم. ويشترك من ناحية ثانية بمهمّة الأسقف بصورة تربطه دومًا به ليصبح معاونًا له في الخدمة التي ائتمنه عليها. من هنا يصبح الكاهن مؤتمنًا على “وديعة” تسلّمها من الثالوث بالذات بواسطة الكنيسة المقدّسة، “لأجل بنيانها وثباتها وتمجيدًا للثالوث الأقدس”[13] ولنشر البشارة وخدمة المذبح ورعاية الشعب الموكل إليه. ويصبح في عداد الكهنة “أبناء الخدمة”، كما يحلو للبيعة أن تدعوهم وهم “الذين قدّسهم المسيح وزيّنهم وكمّلهم واختارهم وائتمنهم على أسراره الإلهيّة وعلى كنوز ملكوته وسلّمهم مفاتيح تلك الكنوز ليوزّعوها على المحتاجين”[14].
4. “وديعة الكلمة” أو خدمة البشارة
- الكاهن إنسان مؤتمن، بطبيعة كهنوته، على خدمة الكلمة وبشارة الملكوت. فهو يجمع شعب الله أوّلاً بكلمة الله الحيّ التي من حقّه أنّ يسمعها كاملة من فم الكاهن[15]، ويبشر الجميع بالإنجيل ليكوّن شعب الله وينمّيه متمّمًا وصيّة الربّ “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها” (مر 16/15). لذا فإنّه يركّز خدمته على التعمّق بكلمة الله من أجل إعلانها والتبشير بها في كلّ مناسبة. وهذا التعمّق يجعل منه “معلّمًا يقف حياته على درس كلمة الله وتسليمها خالصة إلى البشر”[16]. فإن وعظ علنًا المؤمنين أو بشّر غير المؤمنين بسرّ المسيح أو لقّن التعليم المسيحيّ أو شرح عقيدة الكنيسة، فهو لا يعلّم حكمته الخاصّة بل كلمة الله.
فيكون بذلك “يخدم تعليم الربّ الصادق والإلهيّ” ويعمل على “تثبيت البيعة وحفظها”[17] في فهمها وعيشها وشهادتها لسرّ التدبير الخلاصيّ. وما الكنيسة بحسب اللاهوت السريانيّ إلاّ جماعة هذا التدبير.
5. “وديعة التقديس” أو خدمة المذبح والأسرار الإلهيّة
- الكاهن هو رجل المذبح والمؤتمن على أسراره الإلهيّة، وخدمته هي بمثابة وديعة تسلّمها من الكنيسة يوم رسم كاهناً. واللافت في رتبة رسامة الكاهن عندنا هو الربط الوثيق بين الكاهن والمذبح بحيث “يخطب نفسه على المذبح” في كنيسة البلدة التي يؤتمن عليها وبحيث يضع الأسقف، في أثناء تلاوة صلوات وضع اليدّ، يديه أكثر من مرّة يدًا على الأسرار ويدًا على رأس المنتخَب[18].
والكاهن هو أيضًا من يقوم في الوسط (مصعويو). يقيمه الله في بيته بينه وبين شعبه بقوّة الروح الذي يستلهمه ويستدعيه على الدوام[19]. إنّه في الوسط باسم سيّده وعلى مثاله. يتوجّه إلى الله باسم الشعب، وإلى الشعب باسم الله. فهو يلازم الجماعة التي هو منها وفيها بقدر ما هو يلازم السيّد المسيح، الكاهن الأوحد والأبديّ، الذي يجسّده في وسط الجماعة موزّعًا عليها أسراره وكنوز ملكوته. إنّه رجل القربى بامتياز. فهو، في بيت القدس، في سبيل النّاس، الرجل الشفيع، وتجاه الله رجل التسبيح. فيصبح مؤتمنًا على قداسته وعلى قداسة أبناء رعيّته، هو الذي وقف حياته لخدمة “الأقداس للقدّيسين”. فما أحراه أن يَنْهل من قداسة من هو نبع القداسة الذي اصطفاه ودعاه وكرّسه لخدمة شعبه “بالكمال والنقاوة والقداسة”[20].
6. “وديعة التدبير” أو خدمة رعاية شعب الله
- الكاهن مؤتمن “بنعمة ورحمة الابن الوحيد”[21] على رعاية شعب الله وتدبيره “على مثال بطرس، هامة الرسل”[22]. فهو يرأس جماعة المؤمنين باسم المسيح الرأس، ويجمع باسم الأسقف شعب الله ويقوده بالمسيح في الروح إلى الله الآب. ويساهم برعايته وسهره في بنيان الكنيسة وحفظها وتثبيتها. إنّه “المدبّر والراعي” الذي أقامه السيّد المسيح “ليسوس شعبه ويرعى خرافه الناطقة”[23]. وهو “المجاهد في سبيلها” و”ناطورها”[24]، و”الطبيب الذي يؤاسيها” و”الوكيل الأمين” (متى 42/45-51) و”تاجر الوزنات التي سوف يحاسب عليها” (متى 25/14-30)[25].
وعلاوة على اهتمامه بالجميع، يُعنى الكاهن، على مثال سيّده، بالذين أظهر لهم الربّ محبّة خاصّة ودعاهم أخوته الصغار، أيّ الخطأة والمرضى والفقراء والأسرى والمظلومين والمنبوذين، وبنوع خاصّ المنازعين ليقويّهم بالربّ. ويُعنى أيضًا بالعائلات والأزواج والشباب والأولاد فيوفّر لهم تربية لبلوغ النضج المسيحيّ، وبالبعيدين عن الكنيسة أو حديثي الإيمان ليعرّفهم بالمسيح ويقرّبهم إليه.
ثانيًا: الخدمة الكهنوتيّة في تقليد الكنيسة المارونيّة
1. في الماضي
10. وَجد الكاهن عندنا سهولة ليعيش كهنوته في الروحانيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة لأنّه كان يتغذّى منها كلّ يوم في حياته الليتورجيّة والروحيّة إذ كان “يعكف على إقامة الخورس، وتلاوة صلوات الساعات القانونيّة اليوميّة والاحتفال بالقدّاس الإلهي، ولايغفل شيئًا من تلك الصلوات المعيّنة في كتاب زمن الطقوس على مدار السنة”[26].
فكان الخوري واحدًا من أهل البلدة، له بيته فيها وله عائلته، لأنّه غالبًا ما كان متزوجًا، ويعمل في أرضه. وكان حضوره دائمًا في الرعيّة فيشارك النّاس أفراحهم وأحزانهم ومناسباتهم وأعمالهم. وهذا الحضور كان له دور كبير في ممارسة الخوري خدمته الراعويّة في التعليم والتقديس والتدبير. هذا بالإضافة إلى وضعه الدينيّ والاجتماعيّ الذي يجعل منه مرجعًا مهمًّا لأبناء الرعيّة – البلدة، أموارنةً كانوا أم غير موارنة من مسيحيّين ومسلمين[27].
11. في ممارسة خدمته الراعويّة، كان الخوري يجد في نصوص المجمع اللبنانيّ، كما في غيره من المجامع، ما يجب أنّ يقوم به ليكون راعيًا حقيقيًّا لا أجيرًا.
في خدمته التعليميّة، يجب أن يكون لديه من “الكتب ما يمكّنه من القيام بواجباته التعليميّة نحو أبناء رعيّته من إرشاد ووعظ وتعليم مسيحيّ للأولاد”. وكان عليه أنّ يجمع النّاس والأولاد بالقرب من الكنيسة أو “تحت السنديانة” “ليعلّمهم مبادئ القراءة والكتابة في اللغتين السريانيّة والعربيّة”. وذلك لأنّه كان غالبًا أكثر علمًا من أبناء رعيّته يوم لم يكن الكثيرون منهم يجيدون القراءة والكتابة. وكان عليه أن “يحفظ حفظًا بليغًا السجلاّت (حيث يسجّل المعمّدين والمخطوبين والمتزوّجين والمتوفَّين) والكتب والصكوك وينسخ الكتب بالسريانيّة والعربيّة”[28].
في خدمته التقديسيّة، كان عليه أنّ “يقدّم الذبيحة عن أبناء رعيّته ويقوتهم بكلمة الله وتوزيع الأسرار فيناولهم القربان المقدّس ويسمع الاعترافات، ويبارك الزواج والخطبة ويعمّد الأطفال ويمسح المرضى بالزيت المقدّس ويحتفل بجنّاز الموتى”[29].
في خدمته التدبيريّة، كان على الخوري “خادم الرعيّة المؤتمن على النفوس أنّ يعرِف أبناء رعيّته، وأنّ يُعنى عناية الأب بالفقراء والبائسين، ويتوفّر على سائر المهن الرعائيّة” ويقدّم في حياته “مثال الأعمال الصالحة”[30].
أمّا في ما يتعلّق بمعيشته، فيوصي المجمع اللبنانيّ بأنّه “على الأسقف أنّ يعيّن للخوري ومعاونيه جعلاً كافيًا، إمّا من دخل الخورنيّة أو من مال المؤمنين الذين عليهم أنّ يؤمّنوا للكهنة ما يكفي لمعيشتهم” أمتزوّجين كانوا أم عازبين[31].
12. وكذلك الشمّاس نجح في تأدية خدمته على مثال المسيح الخادم. فكانت وظيفته أن يعاون الكاهن على المذبح ويعاون الأسقف في خدمة المحبّة، كما يحدّد المجمع اللبنانيّ: “أن يخدم الكاهن على المذبح ويبخّر الكنيسة والشعب ويتلو الرسالة والإنجيل جهارًا ويقدّم الخبز والخمر للمقدِّس على المذبح ويوزِّع الإفخارستيّا على الشمامسة وما دونهم من الإكليريكيّين والشعب وأنْ يهب المعموديّة باحتفال في غياب الأسقف والكاهن، وله بعد استئذانهما أن ينادي على البشارة ويلقي العظات في الشعب، ويتولّى بإذن الأسقف أمانة صندوق الكنيسة”[32].
13. وتجدر الإشارة إلى أنّ الرهبان الكهنة كانوا يقومون بالخدمة الرعويّة في كنائس أديارهم أو إلى جانب الخوارنة كلّما كانت تدعو الحاجة. لكنّ خدمتهم عرفت تطورًا لافتًا بعد الإصلاح الرهبانيّ الذي تمّ في أواخر القرن السابع عشر ووضع للرهبان والأديار قوانين جديدة ثبّتها البابا أكليمنضُس الثاني عشر[33] وتبنّاها المجمع اللبنانيّ[34]. وقد أمر ذلك المجمع بأنْ “لا يعهدنّ الأسقف بخدمة النفوس إلى أحد الأديار أو إلى كاهن راهب إلاّ إذا مسّت الحاجة وتعذّر وجود كهنة عالميّين”[35]؛ وأمر الكهنة الرهبان بأنْ لا يوزّعوا الأسرار “بغير إذن الأسقف أو إذن خادم الرعيّة”[36].
2. في الزمن الحاضر
- في الزمن الحاضر، طرأت تحوّلات اجتماعيّة واقتصاديّة وثقافيّة ورعائيّة سريعة. ومن أهمّها:
- النّزوح السكّانيّ من الجبال إلى المدن وتبنّي انماط حياة جديدة، وهجرة الكثير من الموارنة إلى البلدان الجديدة ودخولهم في ثقافاتها وتقاليدها وطرق عيشها.
- تطوّر الحياة الاجتماعيّة بحيث تقارب النّاس وراحوا يعيشون في مجتمع منفتح على تعدّد الطوائف والأديان والثقافات والميول السياسيّة والأهواء الفكريّة والأوضاع الاجتماعيّة.
- التطوّر الثقافي والعلميّ والتكنولوجيّ، ودخول ظاهرة العلمنة والعولمة ووسائل الاتّصال الحديثة، وانتشار التيّارات الفكريّة والإيديولوجيّة والشيع والبدع[37].
15. كلّ هذه التحوّلات وغيرها ساهمت في تبديل واقع الرعيّة وتحوّل مفهوم الخدمة الراعويّة. فدفعت بكنيستنا المتجسّدة في العالم إلى أخذها في الاعتبار واستنباط وسائل جديدة تساعدها على قراءة علامات الأزمنة بوحي من الروح وعلى متابعة رسالتها الخاصّة في خدمة البشارة وتحقيق عمل الله الخلاصيّ في الأمكنة الجديدة التي توجد فيها. ودفعت بالكهنة إلى إيجاد أوجه جديدة لخدمتهم الراعويّة المثلّثة يكونون من خلالها صورة حيّة وشفّافة للمسيح الراعي الصالح.
16. في الخدمة التعليميّة، نلاحظ اليوم أنّ قسمًا لا يستهان به من الكهنة بات لا يكتفي بالتنشئة التي نالها في المدرسة الإكليريكيّة وفي كليّة اللاهوت، بل راحوا يتابعون تنشئة جديدة في العلوم الإنسانيّة واللاهوتيّة والبيبليّة من أجل تعميق ثقافتهم الروحيّة والكنسيّة والإنسانيّة والرعويّة والتجاوب مع متطلّبات شعبهم المتزايدة. وتطبيقًا لذلك راحوا يعلّمون ويرشدون لا بالوعظ فحسب، بل بالسهرات الإنجيليّة في المنازل وباللقاءات في الحركات والمنظّمات الرسوليّة والمدارس والمرشديّات على أنواعها؛ ويستعينون في ذلك بالرهبان والراهبات والعلمانيّين الملتزمين والمنشَّئين في المراكز المتخصّصة. وراحوا من ناحية ثانية يشاركون في دورات ورياضات روحيّة ليعمّقوا علاقتهم بيسوع المسيح الكاهن الأوحد والأبديّ والراعي الصالح، ويجدّدون التزامهم عيش الأسرار، وبخاصّة سرّ الإفخارستيّا، والصلاة، وذلك لأنّهم لا يجدون في نمط الحياة اليوميّة الوقت الكافي لذلك.
وتلبيةً لحاجة روحيّة أعمق، راح بعضهم يلتقون، خارجًا عن الاجتماع الأبرشيّ الشهريّ، في جماعات كهنوتيّة ضمن قطاع في الأبرشيّة أو ينخرطون في جمعيّات كهنوتيّة أو رهبانيّة محليّة أو عالميّة ويعيشون انفتاحهم على الكنيسة الجامعة.
وبما أنّ كهنتنا اليوم، المتزوّجين منهم والعازبين، أصبحوا متشابهين في كفاياتهم الإنسانيّة والروحيّة والفكريّة والراعويّة ويعملون في الظروف الاجتماعيّة ذاتها، ولكنهم غالبًا ما يغرقون في الهموم الراعويّة ولا يكرّسون الوقت اللازم لتنشئتهم المستمرّة أو غالبًا ما لا يملكون الإمكانيّات المادّيّة لشراء الكتب والمجلاّت؛ وبما أنّه يُطلب منهم أن يتحمّلوا المسؤوليّة الموكولة إليهم وفاءً للخدمة الكهنوتيّة وللحقّ الأساسيّ الذي يتمتّع به شعب الله عليهم، ألا وهو الاستفادة من كلام الله والأسرار وخدمة المحبّة، أي العناصر الأساسيّة التي لا يستطيع الكاهن أن يستعفي منها في أدائه مهمتَّه الراعويّة؛ كان لا بدّ من تأمين تنشئة مستمرّة لهم.
17. في الخدمة التقديسيّة، نلاحظ أنّ الكهنة يجهدون لتلبية متطلّبات أبناء رعاياهم المتزايدة. فهم يحتفلون بسرّ الإفخارستيّا كلّ يوم مع شعبهم ومن أجله. ونجدهم في الكثير من الرعايا يحضّرون القدّاس مع المؤمنين ويشركونهم في الاحتفال؛ فتنشط اللجان الليتورجيّة والجوقات وتتناوب الحركات الرسوليّة ويتحسّن الحضور الفاعل. أمّا من ناحية باقي الأسرار، فنجدهم يستعينون بالمكرّسين والمكرّسات وبخاصّة العلمانيّين لإنشاء لجان متخصّصة تعتني بتحضير سرَّي المعموديّة والتثبيت أو بتحضير احتفالات المناولة الأولى التي باتت تقام في الرعايا، أو بالإعداد للزواج أو بزيارة المرضى. إلاّ أنّ هذه المشاركة لا تعفي الكاهن من تحمّل مسؤوليّته في متابعة المؤمنين ومنح الأسرار بالرغم من انشغالاته المتعدّدة وربّما ضيق الوقت لديه.
18. في الخدمة التدبيريّة، نجد الكهنة يسعون إلى مواجهة الواقع الرعويّ الجديد حيث كَبِر حجم الرعايا وازداد عدد سكّانها، وحيث أنّ الكهنة لا يسكنون دومًا في رعاياهم؛ فيستنبطون وسائل جديدة للتعرّف إلى أبناء رعاياهم والاستماع إليهم ومتابعتهم والسهر عليهم في جميع ظروفهم. ويعملون بروح رسوليّة للعناية بالذين يحتاجون إلى محبّة، أيّ الفقراء والمهمَّشين والمظلومين والعاطلين عن العمل والمثقلين بالمشاكل العائليّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. فيستعينون من أجل ذلك بلجان عائليّة ولجان خدمة المحبّة. ويستفيدون من الكمبيوتر والأنترنت والصحافة والتلفزيون ليوسّعوا الاتّصال بأبناء رعاياهم الأقربين والأبعدين والمنتشرين ويتتبّعوا أخبارهم ويزوّدوهم أخبار إخوتهم في الرعيّة.
19. أمّا في شأن الحياة المادّيّة وتأمين المعيشة، فإنّنا نرى أنّ الكهنة يتمتّعون في غالبيتهم بمستوى لائق. ذلك بأنّ المؤمنين لا يزالون يساهمون في تأمين أجر الكاهن ولأنّ بعض الأبرشيّات بدأت تُنشئ صناديق تعاضد اجتماعيّ لتأمين الضمان الصحيّ وضمان الشيخوخة لكهنتها.
ولكن، نظرًا إلى الحاجات الاجتماعيّة المتزايدة، يشعر بعض الكهنة بالقلق فيفتّشون عن عمل يساعدهم على تأمين معيشتهم، ومعيشة عائلاتهم إذا كانوا متزوّجين، وغالبًا ما يجدونه في حقل التعليم القادر أن يؤمّن لهم معاشًا ومجالاً للخدمة التعليميّة. ويفضّلون أنّ يكون هذا التعليم في مدارس الأبرشيّة ليبقوا على علاقة بشعبهم ويؤمّنون في الوقت ذاته ضمانهم الصحّيّ وضمان شيخوختهم والحقّ في تعليم أولادهم بأسعار مخفّضة.
20. أمام هذا الواقع، وأمام تزايد الحاجات الجديدة وتكاثر المهمّات الملقاة على عاتق الكاهن، راحت بعض الأصوات تدعو إلى إعادة إحياء الخدمة الشمّاسيّة. وكانت أبرشيّات الانتشار، لاسيّما في الولايات المتّحدة الأميركيّة، السبّاقة في اتخاذ المبادرة. فأعادت تقليد رسامة شمامسة دائمين، وشدايقة أيضًا، متزوّجين في أغلبيّتهم، ربّما تشبّهًا بالكنيسة اللاتينيّة التي استعادت الخدمة الشمّاسيّة بعد المجمع الفاتيكانيّ الثاني، ولكن خاصّة من أجل تلبية الحاجات الرعويّة وتأدية خدمة أشمل لأبنائها المنتشرين.
هذا ما حدا بقداسة البابا يوحنّا بولس الثاني أن يحثّ البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان على “إعادة إحياء درجة الشمّاسيّة الدائمة وتأمين تنشئة مناسبة لها وتأمين ما يتلاءم مع أوضاع الشمامسة الشخصيّة من وسائل العيش”[38].
21. أمّا الرهبان الكهنة فإنّهم لا يزالون موجودين بأعداد وفيرة وملتزمين الخدمةَ الراعويّة في أبرشيّات النطاق البطريركيّ وفي أبرشيّات بلدان الانتشار، ويشاركون الكهنة الأبرشيّين مسؤوليَّاتهم وهمومهم ويقومون بالخدمة الراعويّة من ضمن الجماعة الديريّة التي يحافظون من خلالها على مواهب الحياة الرهبانيّة ورسومها.
ويجدر بنا أنّ ننوّه بالكثير من الرهبان الكهنة الذين يخدمون الرعايا ويلتزمون مرافقة وإرشاد الحركات والمنظّمات الرسوليّة لاسيّما الشبابيّة منها ويهتمّون مع المكرّسين والمكرّسات بإدارة مؤسّسات مختلفة كالمدارس والمستشفيات والمياتم. فإنّهم يؤدّون خدمات جُلّى ويغنون الكنيسة بمواهبهم الخاصّة.
وإذا كان بعض الأساقفة وخَدَمة الرعايا يعانون اليوم من أزمة علاقة بالكهنة الرهبان في تحديد المهمّات الرعويّة وتطبيق الرسوم الكنسيّة التي أقرّتها مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة[39]، فإنّ المحبّة تبقى هي الأقوى وتجد الحلول ضمن المؤسّسات الكنسيّة.
ثالثاً: تطلّعات مستقبليّة واقتراحات للتجديد
1. علاقة الكاهن بالمسيح وبالكنيسة
22. من أجل أن ينجح الكاهن في تأدية خدمته الراعويّة في عالم اليوم، لا بدّ له من أن يعي أوّلاً أنّ كهنوت الخدمة الذي ناله في الرسامة بوضع يدّ الأسقف ينبع من كهنوت المسيح “الكاهن الأوحد والأبديّ” “والراعي الصالح” ويكوّن فيه وثاقًا جوهريًّا مميّزًا يربطه بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منه صورة حقيقيّة له وممثّلاً له في رعاية شعبه، ويواصل في الكنيسة صلاة المسيح وتبشيره وذبيحته وعمله الخلاصيّ بقوّة الروح القدس وفاعليّته.
لذا فإنّ المجمع يوصي كلّ كاهن بأن يشدّد على الدوام ارتباطه الكنسيّ بالأسقف ويعمّق اتّحاده الروحيّ بالمسيح لكي يكون امتدادًا لحضوره في حياته وخدمته الراعويّة وحياته الروحيّة ويحقّق بقوّة الروح القدس الذي اقتبله الخلاص الذي تمّمه المسيح نفسه بموته وقيامته.
- ولكي يتشبه الكاهن بالمسيح، عليه أنْ يعتنق سيرة كهنوتيّة شاهدة.
لذا فإنّ المجمع يوصيه بأن يعمّق حياته الروحيّة بالمثابرة على قراءة الكتاب المقدّس والصلاة الفرديّة والجماعيّة في الرعيّة، لاسيّما صلاة الزمن الطقسيّ، والتأمل والاسترشاد، ويعيش روحانيّة الأسرار التي يمنحها، وبالاحتفال اليوميّ بالإفخارستيّا غذائه المميَّز. فيكتسب بذلك خبرة شخصيّة ناضجة وعميقة تجعله يعيش دومًا بالقرب من المسيح.
ويوصيه أيضًا بأن يعيش فضيلة العفّة، أعازبًا كان أم متزوّجًا، في تكرّسه للخدمة وفي تقديم حياته كاملة كريمة لقسم من شعب الله الذي اؤتمن عليه.
أمّا في حياته الاجتماعيّة، فيوصيه المجمع بأن يختار عيش الفقر بحياة بسيطة وقشفة بعيدة عن مظاهر الترف، لا احتقارًا ونبذًا للخيرات المادّيّة، بل استعمالاً حرًّا لها وزهدًا بها. فيتشبّه بالمسيح الذي افتقر وهو الغنيّ ويؤدّي شهادة مميّزة تحظى بتقدير كبير من شعبنا في أيّام الأزمات التي نعيشها. وبأن يتحلّى بالقناعة وكبر النفس والكرم وحسن الضيافة، وأن يتصرّف بلياقة وتهذيب مع النّاس فيكون مسالمًا، بعيدًا عن المنازعات والفئويّة، صديقًا للجميع، يحترم الجميع ويصغي إلى الجميع ويحاور الجميع.
2. علاقة الكاهن بالأسقف وبإخوته الكهنة
24. ولا بدّ للكاهن من أن يعي ثانيًا أنّه يرتبط بالأسقف الذي نال بواسطته موهبة الروح القدس وكهنوت الخدمة. فيصبح معاونًا للأسقف في خدمته المثلَّثة وممثّلاً له في الرعيّة الذي يأتمنه عليها ضمن كنيسته المحليّة. ويصبح بالتالي عضوًا في الجسم الكهنوتيّ الذي يؤلّف حول الأسقف، وبالشركة معه، اتّحادًا أخويًّا يعمل بالاحترام والتفاهم والتعاضد على بنيان جسد المسيح في الكنيسة الأبرشيّة. وهذا ما يوجب عليه أن يعيش الطاعة الرسوليّة والاحترام البنويّ في تراتبيّة الجسم الكهنوتيّ.
لذا فإنّ المجمع يحثّ الكهنة على عيش الأخوّة والتضامن في ما بينهم ويحثّ الأساقفة على إيجاد الوسائل اللازمة لتشجيع روح الأخوّة والتعاون بين الكهنة وروح الانتماء إلى الجسم الكهنوتيّ وإلى كنيستهم المارونيّة وإلى الكنيسة الجامعة. ومن هذه الوسائل إنشاء بيوت للكهنة حيث تدعو الحاجة، وتكثيف اللقاءات الروحيّة والثقافيّة والترفيهيّة وتشجيع الكهنة على الانخراط في جمعيّات كهنوتيّة، لاسيّما الرابطة الكهنوتيّة التي تأسّست في كنيستنا منذ أكثر من ستّين سنة وكان لها فيها ولا يزال دور رائد.
3. علاقة الكاهن بالعلمانيّين والمكرّسين
25. أنطلاقًا من كون الكاهن امتداد حضور المسيح، عليه أن يعكس بطريقةٍ ما صورته شفّافةً وسط الرعيّة الموكولة إليه وأن يضع ذاته في علاقة إيجابيّة ومشجّعة بالمؤمنين العلمانيّين وبالمكرّسين والمكرّسات. فيعمل على تدعيم دورهم الخاصّ في الكنيسة ويجنّد لهم كلّ خدمته الكهنوتيّة ومحبّته الراعويّة، وينمّي روح المسؤوليّة المشتركة في خدمة رسالة المسيح الخلاصيّة محترمًا ومشجّعًا كلّ المواهب التي يهبها الروح للمؤمنين.
لذا فإنّ المجمع يوصي الكاهن، وهو يسعى دومًا إلى تحقيق الخير العامّ في الكنيسة، بأن يعزّز الحركات والمنظّمات الرسوليّة والرابطات المسيحيّة المعنيّة بأهداف دينيّة ويرحّب بها جميعًا ويؤمّن لها التوجيه والإرشاد والمرشدين مستعينًا بكهنة آخرين أو رهبان وراهبات أو علمانيّين.
وللوصول إلى هذا الهدف، يحثّ المجمع الكهنة على تفعيل المجالس الرعويّة، وإنشائها حيث لا توجد بعد، وعلى التنسيق بينها وبين لجان الوقف من أجل تأمين الوسائل والإمكانيّات المادّيّة الضروريّة لنجاح الرسالة.
4. التفرّغ للخدمة ومعيشة الكاهن
- أمام تزايد الحاجات ومتطلبات الخدمة الكهنوتيّة، بات على الكاهن أنّ يتفرّغ للخدمة التي يَكلُها إليه الأسقف أيًّا كانت.
ومن أجل أنّ يتفرّغ الكاهن، لا بدّ من أن تؤمَّن له ضرورات معيشيّة ومقتضيات اجتماعيّة كي يتحرّر قدر المستطاع من الهموم المادّيّة اليوميّة. فهناك أمور لا يستطيع الكاهن التخلّي عنها وهي الحياة اللائقة برسالته والضمان الاجتماعيّ الذي يعطيه ما يُعطى للعمّال من سهرٍ على الصحّة وتأمين للشيخوخة وغير ذلك. وهذا حقّ للكاهن يؤكّده له السيّد المسيح في إنجيله والقدّيس بولس في رسائله[40]، وتطلبه له النصوص المجمعيّة والتعاليم والقوانين الكنسيّة[41].
لذا فإن المجمع يحثّ المؤمنين الموارنة في كلّ الرعايا والجماعات المسيحيّة على تحمّل مسؤولياتهم المعنويّة والماديّة في تأمين معيشة لائقة وكريمة للكهنة والشمامسة الذين هم في حاجة إليهم لخدمة نفوسهم، وذلك بالتعاون الوثيق مع أساقفتهم كما كانت العادة ولا تزال جاريّة في كنيستنا.
كما يدعو الأساقفة إلى إنشاء “صندوق الكاهن” في أبرشيّاتهم، إذا كان لم ينشأ بعد، والسعي معًا، وبالتعاون مع المؤسّسات البطريركيّة والأبرشيّة ولجان الأوقاف وأصحاب الإرادات الطيّبة من أبناء كنيستنا، إلى أنشاء صندوق مشترك لضمان الكهنة الصحيّ وتأمين شيخوختهم.
5. كهنوت المتزوّجين
27. بما أنّ كنيستنا حافظت، على مَرّ الأجيال، على تقليد الكهنة المتزوّجين الذي يعود إلى الرسل والذي كان ولا يزال جاريًا عند عامّة الشرقيّين، وقد اعترفت به الكنيسة الجامعة وأقرّ به المجمع الفاتيكانيّ الثاني[42] ومجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة[43]، بحيث إنّها تمنح سرّ الكهنوت ودرجة القسوسيّة إلى رجال متزوّجين مشهود لهم بالفضيلة والمعرفة وحسن الإدارة، فإنّ المجمع يرى أنّه لا بدّ من المحافظة على هذا التقليد. فهو يمثّل انفتاحًا على الكنائس الشقيقة والأديان الأخرى التي تجابه تحدّيات البشارة الجديدة، عدا عن أنّه، عند بعض الكهنة عامل توازن نفسيّ وأخلاقيّ واجتماعيّ ويخفّف من همومهم المادّيّة ويساعدهم على تفهّم أوضاع أبناء رعيّتهم العائليّة والإنسانيّة.
وهذا لا يجعلنا نغفل أنّ الكهنة العازبين يتطابقون مع خصوصيّة كنيستنا المارونيّة التي حافظت دومًا على دعوة التبتّل فيها ويتناسبون مع ما تفرضه الكنيسة الكاثوليكيّة اللاتينيّة، لاسيّما في نطاق بلدان الانتشار، حيث يُمنع على الكهنة المتزوّجين أنّ يمارسوا خدمتهم الراعويّة.
6. الشمّاسيّة الدائمة
28. بما أنّ الأسقف، خليفة الرسل ورأس الكنيسة المحليّة، يحتاج في تأدية خدمته الأسقفيّة إلى كهنة شبيهين بالمسيح ـ الراعي وإلى شمامسة شبيهين بالمسيح ـ الخادم؛
وبما أنّ كنيستنا بدأت تستعيد رويدًا رويدًا خدمة الشمّاسيّة الدائمة، لا لملء الفراغ الحاصل في الخدمة الكهنوتيّة من جرّاء نقصٍ في عدد الكهنة، بل لاستعادة رسالة الخدمة الإنجيليّة، التي تعنيها عبارة الشمّاسيّة بالسريانيّة، دورَها الخاصّ والمميّز في خدمة المذبح وخدمة المحبّة؛
فإنّ المجمع يدعو الأساقفة إلى إحياء الخدمة الشمّاسيّة الدائمة في أبرشيّاتهم وبخاصّة لأنّها تلبّي حاجات كثيرة فيها، ويحثّهم على العمل معًا على وضع برنامج خاصّ بالمدعوّين إليها وإيجاد مركز أو مؤسّسة لتنشئتهم الخاصّة بكلّ مستلزماتها وبذل الجهود في سبيل تأمين معيشة لائقة لهم، أعازبين كانوا أم متزوّجين.
7. الرهبان الكهنة في الخدمة الراعويّة
29. أمام تضاعف الحاجات الراعويّة في أبرشيّات النطاق البطريركيّ كما في أبرشيّات الانتشار وفي البلدان التي لم تنشأ فيها بعد أبرشيّات، ومن أجل العمل على إحياء خدمة راعويّة متكاملة بين الكهنة الأبرشيّين والكهنة الرهبان وإبراز الموهبة الرهبانيّة بكلّ طاقاتها في قلب الكنيسة المارونيّة، إنّ المجمع يدعو الأساقفة ورؤساء الرهبانيّات العامّين إلى التنسيق التامّ في ما بينهم وإلى تكثيف الجهود في سبيل أن يندمج الرهبان الكهنة خَدَمة الرعايا اندماجًا فعليًّا في الكنيسة الأبرشيّة وأن يُشرك الأساقفة الرهبان الكهنة الذين يعملون في أبرشيّاتهم بسلطانهم التعليميّ والتقديسيّ والتدبيريّ ويشجّعوهم على الحفاظ على الموهبة الرهبانيّة التي نذروا حياتهم لها.
وهذا التنسيق يتمّ عبر “الدائرة البطريركيّة للتنسيق بين الأساقفة والرهبانيّات” التي نشأت حديثًا ويرتكز، من جهة، على الوفاء لمتطلّبات الخدمة الراعويّة ضمن الجسم الكهنوتيّ في الكنيسة الأبرشيّة وفي العلاقة مع رأسها الأسقف، ومن جهة ثانية، على التشديد على الانتماء إلى الكنيسة البطريركيّة الواحدة والالتفاف حول مرجعيّتها الواحدة المتمثّلة في شخص البطريرك وفي المؤسّسة البطريركيّة.
8. توزيع الكهنة
30. إنّ موهبة كهنوت الخدمة التي يقتبلها الكهنة برسامتهم تقيّدهم بالخدمة أو بالرعيّة التي يأتمنهم عليها الأسقف، ولكنها تبقى أوّلاً وآخرًا مرتبطة بحاجة الكنيسة. فحيث تدعو الحاجة يدعو الأسقف باسم الربّ يسوع.
وبما أنّ عدد الكهنة لا يزال متوافرًا في كنيستنا، وبخاصّة في النطاق البطريركيّ، والمشكلة مطروحة لناحية توزيع الكهنة بحسب أولويّة الحاجات، وبما أنَّ عدد الموارنة يتزايد في بلدان الانتشار ويتزايد معه طلب الأساقفة إلى كهنة، وأنّ بعض الأساقفة في بلدان أفريقيّة بدأوا يطالبون بإرسال كهنة يجيدون اللغة العربيّة،
فإنّ المجمع يوصي الأساقفة بأن يتعاونوا على توزيع الكهنة توزيعًا يتناسب مع الحاجات الجديدة في أبرشيّاتهم وفي الكنيسة كلّها. ويتمنىّ على أساقفة النطاق البطريركيّ أن يلبّوا نداءات إخوانهم في أبرشيّات الانتشار أو غيرها ويوجّهوا إليهم من هم جديرون بالخدمة فيها ومستعدّون لها.
الفصل الثاني: الاختيار والدعوة والتنشئة في الخدمة الكهنوتيّة
أوّلاً: الثوابت اللاهوتيّة
1. الصيغة المتّبعة في الاختيار والدعوة والتنشئة
31. في تقليد كنيستنا كانت الدعوة إلى الخدمة الكهنوتيّة، وهي تختلف عن الدعوة إلى الحياة الرهبانيّة، تقضي بأن يجتمع أهل الرعيّة كلّما طرأت حاجة جديدة لخدمة نفوسهم؛ فيتدارسوها ويختاروا من بينهم الشخص المناسب للقيام بالخدمة الكهنوتيّة المطلوبة والذي يملك المؤهّلات والصفات اللازمة والمعترف بها لدى الجميع، أمتزوّجًا كان أم عازبًا، ثمّ يقدّمونه إلى الأسقف.
وكان الأسقف يثبّت هذا الاختيار بعد درسه وتفحّصه، ويرسل الرجل المقدَّم إليه، الذي لم يكن يفكّر ربّما في الكهنوت من قبل أو لم يكن يقدّم نفسه لذلك، لدى كاهن فاضل أو إلى دير أو إلى مدرسة إكليريكيّة للحصول على التنشئة الروحيّة واللاهوتيّة والفكريّة الملائمة.
ثمّ كان يدعوه باسم النعمة الإلهيّة ويرسمه كاهنًا بوضع اليدين على مذبح الرعيّة التي اختارته حيث يولد بينهما رباط “خطبة”، ويسلّمه خدمة أبنائها الحاضرين في الرسامة ليستقبلوه ويبدأوا مسيرة الخطبة فيتحمّلون في أثنائها مسؤوليّة تأمين معيشته كما يتحمّل هو مسؤوليّة خدمتهم في التعليم والتقديس والتدبير.
إنّه تقليد يعود إلى الرسل والكنيسة الأولى[44] ويرتكز على مقوّمات لاهوتيّة ثابتة.
2. الثوابت اللاهوتيّة في الاختيار والدعوة والتنشئة
أ. حاجة الكنيسة
32. تأتي حاجة الكنيسة في طليعة مقوّمات الدعوة إلى الخدمة الكهنوتيّة أو الخدمة الشمّاسيّة. فالحاجة هي التي تحدّد الخدمة الجديدة الواجب ملؤها قبل تحديد المؤهّلات المطلوبة ودعوة الخادم المناسب لها. ولا يمكن أن تقيم الكنيسة خدمة معيّنة إن لم تقتضها حاجتها. فتعرض الحاجة وتحدّد المؤهّلات وتطلب إلى الجماعة المسيحيّة اختيار الشخص المناسب[45].
ب. دور الشعب في الاختيار
33. دور الشعب أو الجماعة المسيحيّة هامّ في اختيار من هو المناسب للخدمة المطلوبة. فالجماعة تعرف الشخص الذي يملك المؤهّلات اللازمة[46] والذي يشهد له فيها الجميع[47]، وتختاره في الوضع الحياتيّ المناسب لها، عازبًا أم متزوجاً. وهي التي تتحمّل “تبعة المسؤوليّة”[48] في تقديمه إلى الأسقف ومرافقته بعد رسامته فتسانده في خدمته وتؤمّن له معيشة لائقة.
ج. دعوة الأسقف
34. الأسقف، خليفة الرسل، هو الذي يتّخذ القرار في قبول من يختاره الشعب ويرسله للتنشئة. ثمّ يدعوه باسم “النعمة الإلهيّة” في أثناء الرسامة الكهنوتيّة التي تصير في الإفخارستيّا ليعبّر له عن دعوة الله التي تتمّ “اليوم” و”الآن”[49] ويمنحه الكهنوت والقسوسيّة بوضع اليدين داعيًا “الروح القدس ليحلّ عليه”[50] ويجعله أهلاً للخدمة التي توكل إليه.
فالأسقف ينقل إلى المرتسم عطيّة الروح القدس وسرّ الكهنوت. ومع أنّ الجماعة المسيحيّة المتلئمة في الإفخارستيّا تشارك في دعوة الروح القدس، يبقى الأسقف هو الخادم الأساسيّ لسرّ الكهنوت وللرسامة وهو رئيس الكنيسة المحليّة ومرجعها بصفته خليفة للرسل وممثّلاً للمسيح.
د. رباط الخطبة
35. بالرسامة الكهنوتيّة التي تتمّ بوضع يدي الأسقف يولد رباط بين المرتسم وبين الجماعة المسيحيّة عبر “الخطبة” على “المذبح والكنيسة والبلدة” التي يرتسم على اسمها الكاهن[51] (أو الشمّاس). وترداد إعلان اسم المذبح والكنيسة والبلدة عشر مرات إبّان الرتبة هو للتشديد على هذا الارتباط الذي كان ضروريًّا لصحّة الرسامة، كما تنصّ القوانين[52]، وضروريًّا لتحميل الرعيّة مسؤوليّة تأمين معيشة خادمها[53].
ثانيًا: صيغة الاختيار والدعوة والتنشئة في ممارسة الكنيسة المارونيّة
1. في الماضي
أ. الاختيار
36. كان الاختيار للخدمة في الكهنوت يتمّ بناءً على “ثقة الكهنة والشيوخ وعلى رضى وموافقة أبناء الرعيّة والحصول على تواقيعهم كي لا يكون شقاق في الشعب وتتلف الكنيسة”، كما يقول كتاب الهدى[54].
ويؤكّد البطريرك الدويهي هذا الإجراء بقوله: “تريد البيعة أنّ تقديم المنسامين يصير على يد الرعايا وأن يُفحصوا وتصير لهم المناداة”[55].
في رتبة الرسامة الكهنوتيّة، يقدّم رئيس الشمامسة، أو الكاهن العرّاب، الرجل المنتخب إلى الأسقف باسم الجماعة التي تكون قد اختارته وتتحمّل “تبعة مسؤوليّة” تقديمه.
وفي الممارسة الرعويّة، أصبحت القاعدة شبه عامة أنّ يختار الشعب من يراه مناسبًا لخدمة حاجاته الكنسيّة وبحسب المقاييس المطلوبة[56].
- في ما يتعلّق بالمؤهّلات والصفات المطلوبة، كان اختيار الشعب يخضع لمقاييس وشروط تحدّدها القوانين. ومن أهمّها:
- النضوج الإنسانيّ والعلميّ والروحيّ. أيّ “أن يكون في عمر الثلاثين”[57] “متشبّهًا بالسيّد المخلّص الذي في السنة الثلاثين أظهر نفسه للعالم وصار يتلمذ النّاس” أو أقلّه في “الخامسة والعشرين حتىّ لا تنهان الكنائس بعدم وجود الكهنة”[58]. “وأن يكون من ذويّ بلاغة في العمر والخبرة والتدبير”[59]، ويكون قد “تفقّه في العلوم وتعمّق في ممارسة التقوى، وأن يرجو بمعونة الله أن يصبر على التبتّل والعفة”[60].
- السيرة الطيّبة والشهادة الحسنة من الأقربين والأبعدين، أي “أن يقوم بالأعمال الصالحة ويبتعد عن الشرّيرة، وأن يكون حليمًا متواضعًا، لا غضوبًا وعنيفًا ومدمنًا للخمر وحريصًا على المكاسب الخسيسة؛ وأن يكون قنوعًا، رزينًا، مهذّبًا، مضيافاً… وأن يشهد له الأقربون والذين في خارج الكنيسة شهادة حسنة”[61].
وكلّ هذه الشروط موضوعة نسبةً إلى ما “تطلبه رئاسة كلّ واحد منهم لخدمة الشعب وتوزيع الأسرار المقدّسة”[62].
38. بعد أن يختار الشعب الشخص المناسب، يطلب منه أن يبقى على وضعه الحياتيّ، لأنّه اختير بناءً على مؤهّلاته المشهود له فيها سابقًا ولأنّ وضعه الحاليّ يناسب الجماعة وحاجة الخدمة فيها. فإذا كان عازبًا يبقى كذلك ويكرّس ذاته للربّ في خدمة الكنائس والبشر، وإذا كان متزوّجًا يحافظ على حياته الزوجيّة بمخافة الله وحفظ وصاياه. هذا ما يوصي به كتاب الهدى[63]، ويؤكّده المجمع اللبنانيّ[64].
أمّا في الممارسة الرعويّة، فقد درج أن يختار الشعب ومعهم الأساقفة رجالاً متزوّجين لخدمة الرعايا[65]. وذلك لأنّ المتزوّج يكون قد قدّم شهادة عن نضج إنسانيّ ومسيحيّ في تدبير عائلته ويكون قد أعطى ضمانة الاستقرار في بلدته ورعيّته[66].
ب. الدعوة
39. بعد أن يتمّم الشعب اختياره، كان يقدّم الرجل المنتخب إلى الأسقف الذي يعود إليه وحده القرار في قبوله أو رفضه. كما يقول البطريرك الدويهي:
“رسم الآباء (في المجامع) أنّ المنتخبين من الشعب يتقدّمون مرّتين: في الأولى على يدّ الشعب وفي الثانية على يدّ الأسقف. ولكن لأنّ رؤساء الكهنة، ولأسباب شتىّ، لا يعرفون الرعايا ليميّزوا بين العال والدون وبين المستحقّ وغير المستحقّ، ويحدث في بعض الأوقات أنّ البعض منهم يخشون من المقتدرين والبعض تغلبهم الرشوة والبعض يميلون بزيادة إلى محبّة الأقارب، فعندما يتقدّمون في الدفعة الأولى على يدّ الشعب يقبلهم الأسقف ويباركهم ولكن يأمر بعزلهم إلى الخارج، ليعلموا أنّ صفوة الشعب غير فاعلة ولو كانت صالحة وأنّ تقريبهم كذلك غير ضروريّ بل الاعتماد على اختيار الأسقف ورضاه”[67].
وعند قبوله كان الأسقف يدعوه ويرسله إلى حيث يجب للحصول على التنشئة الملائمة ثمّ يعلن الدعوة ويثبتّها وقت الرسامة وأمام الجماعة الملتئمة في الإفخارستيّا، قائلاً: “النعمة الإلهيّة والموهبة السماويّة، نعمة ربّنا يسوع المسيح، هي تدعو وتختار، بالرضى الإلهيّ والرسوم البيعيّة وبانتخاب من الله، عبد الله هذا الواقف هاهنا، وهي ترّقيه من درجة الشماسيّة إلى درجة القسوسيّة… فلنصلِّ الآن كلّنا ونبتهل معًا ليحلّ عليه الروح القدس”[68].
ج. التنشئة
40. عملاً بالمبدأ القائل إنّ التنشئة يجب أن تكون مناسبة لحاجة الكنيسة ولأوضاع الشعب، كانت كنيستنا المارونيّة رائدة في محيطها وعصرها بواسطة الكهنة والرهبان الذين تنشّئهم بحسب حاجاتها ومتطلباتها. فبعد أن كانت تنشئة الكهنة سريعة وبدائيّة عندما كان النّاس لا يقرأون ولا يكتبون، أصبحت متطلّبة وصعبة مع تقدّم الثقافة وطلب العلم عند عامّة الشعب، وبخاصّة ابتداءً من أواسط القرن التاسع عشر.
فكان الأساقفة في المرحلة الأولى يرسلون المدعوّين إلى دير قريب أو لدى كاهن مثقّف وتقيّ حيث كانوا يحصلون على تنشئة سريعة. فيتعلّمون “قواعد النحو والصرف في السريانيّة والعربيّة، ثمّ علّم اللحن والحساب البيعيّ”. ومَن “يتوسّمون فيه مزيد الأهليّة لتحصيل العلوم، يرقّونه إلى درس العلوم العالية أيّ الفصاحة والنظم والفلسفة والمساحة والحساب وعلم الفلك وما أشبه ذلك من الرياضيّات؛ ثمّ مبادئ الحقّ القانونيّ وتفسير الكتاب المقدس واللاهوت العقائديّ والأدبيّ ولاسيّما ما يرونه مناسبًا لقبول الأسرار وتوزيعها ولمعرفة طرق الطقوس والاحتفالات”[69].
41. ويوم انطلقت النهضة في الكنيسة الكاثوليكيّة، وفي أوروبّا، بفضل المجمع التريدنتينيّ (1545-1563) الذي أمر الأساقفة “بإقامة مدارس بالقرب من الكاتدرائيّات والكراسي الأسقفيّة والكنائس الكبرى لتُعنى بتربية الأولاد تربيةً دينيّة وتخرّجهم في العلوم البيعيّة”[70]، كان للكنيسة المارونيّة أن حظيت بتأسيس أوّل مدرسة إكليريكيّة لها على يدّ البابا غريغوريوس الثالث عشر سنة 1584 في روما. وكان لهذه المدرسة أن خرّجت كوادر الكنيسة المارونيّة الذين عادوا وأطلقوا النهضة في كنيستهم.
وأولى النتائج كانت أن عقدوا المجمع اللبنانيّ (1736) الذي حاول تطبيق المجمع التريدنتينيّ وأوصى بإنشاء “المدارس الإكليريكيّة في كراسي الأساقفة والأديار الكبيرة على طراز مدرستنا المارونيّة”[71]. وأوّل من طبّق هذه التوصية كان البطريرك يوسف إسطفان[72] الذي أسّس سنة 1789 مدرسة عين ورقة بهدف تنشئة كهنة يقودون شعبهم في ركب الحضارة الآتية. وقد خرّجت عددًا كبيرًا من الكهنة والمطارنة والبطاركة قاموا بنهضة دينيّة وأدبيّة وكنسيّة. وسمّيت “بأمّ مدارس الشرق” و”بسوربون لبنان”.
42. وفي مطلع القرن التاسع عشر، دخلت الإرساليّات الأجنبيّة لبنان ونشرت المدارس وراحت تتسابق لتثقيف اللبنانيّين واجتذابهم إلى حضاراتها وطوائفها المسيحيّة المتعدّدة. وكان تأسيس الإكليريكيّة الشرقيّة، على يدّ الآباء اليسوعيّين سنة 1843 في غزير التي انتقلت إلى بيروت سنة 1875 مع تأسيس جامعة القدّيس يوسف.
أمام هذه الموجة الثقافيّة العارمة، عمل البطاركة والمطارنة الموارنة، أسوة بالبطريرك اسطفان، على تأسيس المدارس الإكليريكيّة البطريركيّة والأبرشيّة، بهدف تنشئة كهنة مثقّفين يكونون على مستوى التقدّم الحضاريّ الذي كان يعرفه جبل لبنان في ذلك الوقت[73].
وفي موازاة ذلك عمل البطريرك بولس مسعد (1854-1890) على إرسال طلاّب إكليريكيّين إلى فرنسا للتنشئة بمساعدة “جمعيّة مار لويس للموارنة”[74]، وعمل البطريرك يوحنّا الحاجّ (1890-1898) على إعادة فتح المدرسة المارونيّة في روما سنة 1892 بعد أن كانت قد أقفلت سنة 1798.
43. في مطلع القرن العشرين، وبعد الحرب العالميّة الأولى، أقفلت معظم المدارس الإكليريكيّة، ما عدا الإكليريكيّة الشرقيّة في بيروت التي باتت تغذّي كنيستنا بكهنة مثقّفين يجارون تطوّر العصر.
فراحت تتعالى أصوات تطالب بتأسيس إكليريكيّة مركزيّة مارونيّة تهدف إلى توحيد تنشئة الإكليروس المارونيّ ورفع مستواه. وتحقَّقت هذه الأمنية مع البطريرك أنطونيوس خريش الذي اشترى دير غزير من الآباء اليسوعيّين سنة 1976 وحوّله إلى إكليريكيّة بطريركيّة مارونيّة مركزيّة تستوعب جميع طلاّب الكهنوت الموارنة[75].
2. في الزمن الحاضر
أ. الدعوة والاختيار
44. مع تطوّر الزمن، وبفعل دخول الإرساليّات الأجنبّية إلى لبنان وتأسيس الإكليريكيّات الصغرى وغيرها من المؤسّسات الخاصّة “لإنماء بذور الدعوة وتمييزها وتبيان علاماتها”[76] والإكليريكيّات الكبرى ليتمّ فيها “البحث باهتمام كلّيّ عن نيّة الطلاّب المستقيمة وإرادتهم الحرّة ومؤهّلاتهم الروحيّة والأدبيّة والعقليّة، وعن حالتهم الصحّية والنفسيّة الملائمة، وعن طاقاتهم لتحمّل المهامّ الكهنوتيّة ولممارسة الواجبات الراعويّة”[77]، تطوّر مفهوم الدعوة في كنيستنا.
وأصبحت الدعوة تُفهم بأنّها نداء الله الخفيّ الصامت والقويّ في أعماق النفس البشريّة وتعبير عن صوت الله بطريقة بشريّة حسّيّة بواسطة السلطة الكنسيّة. وفي الحالتين، الله هو الذي يدعو، لكنّه يبقى على المدعوّين “أن لا ينتظروا صوت الله ودعوته وكأنّهما يصلان إلى أذن كاهن المستقبل بصورة غريبة، بل عليهم أن يفهموا ذلك الصوت بصورة فضلى وأن يميّزوه من خلال العلامات التي بها تظهر كلّ يوم إرادة الله للمسيحيّين ذويّ الفطنة”[78].
فالدعوة الكهنوتيّة تدخل في إطار كلّ دعوة مسيحيّة التي أساسها اختيار مجّانيّ من قِبل الآب، ولكنّها لا تعطى خارج الكنيسة وبمعزل عنها.
إنّها عطيّة مجّانيّة وموهبة بلا مقابل وعلى المدعوّ أن يقبلها مجّانًا وبدون شروط. وهي “قصّة حوار لا يوصف بين الله والإنسان، بين محبّة الله الداعية وحريّة الإنسان الذي يلبّي الله في المحبّة. وهذان الوجهان للدعوة، أي عطيّة الله المجّانيّة وحريّة الإنسان المسؤولة، هما مترابطان ولا يتناقضان، بل بالعكس: فالنعمة تنشّط الحريّة البشريّة”[79].
45. إنطلاقًا من هذا المفهوم، تكاثرت الدعوات وامتلأت المدارس الإكليريكيّة بالطلاّب الذين راحوا يدخلون صغارًا ويعيشون في جوّ عائليّ مع مديرين ومرشدين متفرّغين ويخضعون لتنشئة طويلة الأمد تسمح لهم باكتساب المؤهّلات الروحيّة والفكريّة والإنسانيّة المطلوبة. لكنّ نسبة الذين راحوا يصلون إلى الكهنوت كانت ضئيلة[80] لأنّ المسؤولين في المدارس الإكليريكيّة كانوا يُظهرون الحَزم الضروريّ في انتقاء الطلاّب واختبارهم وفي البحث الجدّيّ في نيّتهم المستقيمة وإرادتهم الحرّة وتمتّعهم بالمؤهّلات اللازمة،”وإن يكن النقص في الكهنة مؤلماً. فالله لن يسمح بأن تتعرّض كنيسته لنقص في الخَدَمة، إذا مُنحت الدرجات لمن يستحقّها”[81].
وأصبحت إدارة المدرسة الإكليريكيّة تقدّم هؤلاء الطلاّب، بعد تنشئتهم والتثبّت من مؤهّلاتهم، إلى الأساقفة الذين يعود إليهم وحدهم القرار بالقبول، لكي يدعوهم، محترمين حريّتهم الكاملة، ويمنحوهم سرّ الكهنوت ويكلون إليهم الخدمة الراعويّة الملائمة لحاجات أبرشيّاتهم. وقد درجت العادة في إثر ذلك أن يرسم بعض الأساقفة كهنتهم على مذابح الأبرشيّة، لا على مذبح كنيسة معيّنة، وذلك لمقتضيات رعويّة ومنها أن يكونوا على استعداد لتلبية الحاجات المستجدّة والمتزايدة في خدمة الأبرشيّة.
46. أمّا من ناحية الوضع الحياتيّ، فراح الطلاّب يقضون في المدرسة الإكليريكيّة عدّة سنوات حتى نهاية تنشئتهم ودروسهم قبل أن يَعْمدوا إلى اختيار الحالة التي فيها سيعيشون كهنوتهم على أكمل وجه، في العزوبة أم في الزواج.
فاتّخذت الكنيسة القرارات والتدابير الملائمة من أجل قبول الإكليريكيّين الذين يقرّرون أن يكونوا كهنة عازبين في الإكليريكيّة البطريركيّة في غزير وتنشئتهم لخدمة الحاجات الجديدة التي تتطلّب تفرّغًا أكبر، وقبول الإكليريكيّين المتزوّجين والراغبين في الزواج والذين لم يتّخذوا القرار بعد في إكليريكيتيّ مار أنطونيوس البادوانيّ في كرمسدّه ومار أوغسطينس في كفرا وتنشئتهم بحيث يتطابقون مع حالتهم وخدمتهم المستقبليّة؛ على أن لا يُرسم المتزوّجون قبل سنّ الثالثة والثلاثين بعد أن يكونوا قد اختبروا الحياة الزوجيّة والعائليّة والاستقرار الماديّ.
ويجدر التنويه بأنّ نيابة صربا في الأبرشيّة البطريركيّة قد بدأت منذ بضع سنوات بمحاولة إنشاء مركز لتنشئة الشمامسة الدائمين.
47. وتجدر الإشارة إلى أنّه في السنوات الأخيرة راح الطلاّب يدخلون مباشرة الإكليريكيّة الكبرى بعد خبرة رسوليّة ونضوج إنسانيّ ملحوظ وهم واعون حاجات كنيستهم وملتزمون رسالتَها من خلال التزامهم في الرعايا والمنظّمات الرسوليّة المتعددة. وباتت بعض الجماعات المسيحيّة، بكهنتها وعائلاتها ورعاياها ومنظّماتها الرسوليّة والمعلّمين والمربّين فيها، تتحمّل مسؤوليّة العناية والاهتمام بتشجيع الشبّان الذين يدعوهم الله ومرافقتهم لكي يتمكّنوا من سماع ندائه والاستجابة له بسخاء وحريّة.
وما يلفت الانتباه أنّ بعض الرعايا لا تزال تقدّم المنتخبين إلى الأسقف بحسب الصيغة التقليديّة[82].
كما شرع الأساقفة بتعيين لجان للدعوات في أبرشيّاتهم لمؤازرتهم في البحث عن الأشخاص الذين يمكن أن تدعوهم الكنيسة ومرافقتهم حتى الكهنوت.
ب. التنشئة
- يتوزّع طلاّبنا الإكليريكيّون اليوم على أربعة مدارس هي:
- الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير حيث يتابع الطلاّب دروسهم في كليّة اللاهوت الحبريّة في جامعة الروح القدس الكسليك.
- إكليريكيّة مار أنطونيوس البادوانيّ في كرمسدّه التابعة لأبرشيّة طرابلس وتستقبل طلاّبًا من سائر الأبرشيّات، حيث يتابع الطلاّب دروسهم في المكان ذاته الذي أصبح منذ 1998 الفرع الثاني لكلّية العلوم اللاهوتيّة في الجامعة الأنّطونيّة.
- إكليريكيّة سيّدة لبنان المارونيّة في واشنطن التابعة لأبرشيّتي مار مارون في بروكلين وسيّدة لبنان في لوس أنجلوس في الولايات المتّحدة الأميركيّة، حيث يتابع الطلاّب دروسهم في كليّة اللاهوت في الجامعة الكاثوليكيّة في واشنطن.
- إكليريكيّة مار أوغسطينس في كفرا، التابعة لأبرشيّة بيروت وقد أعيد فتحها سنة 2002 وتستقبل طلاّبًا من أبرشيّات أخرى، حيث يتابع الطلاّب دروسهم في كليّة العلوم الدينيّة في جامعة الحكمة بيروت.
وإذا كانت هذه الإكليريكيّات لا تشكو من نقصٍ في عدد الطلاّب، فإنّها تواجه تحدّيات في اختيار القيّمين على التنشئة وفي التنسيق الضروريّ في ما بينها أوّلاً، وبينها وبين كليّات ومعاهد اللاهوت ثانيًا.
49. لا شك أنّ مسؤوليّة اختيار القيّمين على التنشئة في المدارس الإكليريكيّة تقع على الأساقفة الذين عليهم أنّ ينتدبوا كهنة يتمتّعون بالصفات والمؤهّلات اللازمة، أيّ “كهنة يتميّزون بقداسة سيرتهم، ويملكون مجموعة من الصفات: النضج الإنسانيّ والروحيّ، الخبرة الراعويّة، الجدارة المهنيّة على الصعيد التقنيّ والتربويّ والروحيّ والإنسانيّ واللاهوتيّ، الثبات في دعوتهم، الأهبة للتعاون والعمل في الجماعة، التضلّع من العلوم الإنسانيّة (وبخاصّة علم النفس) الموازية لمهمّتهم”[83].
لكنّ الأساقفة يواجهون، في الاضطلاع بهذه المسؤوليّة، صعوبات عدّة تعود إلى أنّهم لا يجدون دائمًا الأشخاص المؤهّلين لهذه الخدمة في أبرشيّاتهم، أو أنّهم لا يستطيعون التخلّي عن المؤهّلين بسبب الحاجة الماسّة إليهم في الأبرشيّات، أو لأنّ المؤهّلين لا يرغبون في القيام بهذه الخدمة.
50. ولا شكّ أيضًا أنَّ تعدّد المدارس الإكليريكيّة اليوم وتنوّع التنشئة فيها هو مصدر غنىً لكنيستنا في المرحلة الراهنة. فإنّها تنشئ كهنة لمختلف الحاجات والمستويات والأوضاع. لكنّه لا بدّ من أن تتعاون تلك المدارس وتعمل بالتنسيق في ما بينها على وضع رؤية واحدة ومِنهاج عامّ للتنشئة الكهنوتيّة يتكيّفان مع الشرائع العامّة والقوانين الكنسيّة ويتلاءمان مع الأوضاع الزمانيّة والمكانيّة الخاصّة بالموارنة المنتشرين وبالأبرشيّات المارونيّة في جميع أنّحاء العالم[84].
أمّا في ما يتعلّق بكليّات ومعاهد اللاهوت، فإنّها تتّبع البرامج التي تحدّدها الكنيسة الكاثوليكيّة للتنشئة الفلسفيّة واللاهوتيّة. ولكنّه لا بدّ لها من أنّ تشدّد بطريقة خاصّة على ما يختصّ بالكنيسة المارونيّة وتقاليد الكنائس الشرقيّة وأن تنسّق مع إدارات المدارس الإكليريكيّة لتضمن كنيستنا تنشئة إنسانيّة وروحيّة وفكريّة وراعويّة معمّقة لكهنة الغد.
ويجدر التنويه هنا بالخدمة التي تؤدّيها منذ سنوات كليّة اللاهوت الحبريّة في جامعة الروح القدس الكسليك في تنشئة الإكليريكيّين والكهنة والرهبان على روح كنسيّة وجماعيّة تجعلهم يعملون معًا في حقل الرعاية الواحد. وهذا لا يجعلنا نغفل ما تقوم به الكليّات الأخرى في هذا المجال.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عددًا من الأساقفة يرسلون بعض كهنتهم المؤهّلين إلى إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا أو إنكلترا أو الولايات المتّحدة الأميركيّة للتخصّص في مجالات العلوم الفلسفيّة والإنسانيّة واللاهوتيّة والبيبليّة والقانونيّة والرعائيّة والإداريّة. وذلك بهدف الإفادة منهم لرفع مستوى الإكليروس والشعب ولتنظيم الخدمة الراعويّة في أبرشيّاتهم.
ثالثاً: تطلّعات مستقبليّة واقتراحات للتجديد
1. الاختيار
51. بما أنّ الصيغة التقليديّة للاختيار في كنيستنا لا تزال صالحة وحيث إنّ التطوّرات الحاصلة لا تناقضها بل تشجّع على المحافظة على ثوابتها والإفادة منها، فإنّ المجمع يوصي المؤمنين الموارنة أينما وجدوا، وبخاصّة في بلدان الانتشار حيث تكثر الحاجات، في جميع الرعايا والجماعات الكنسيّة، بأن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم في عيش الشهادة للمسيح وفي تحسّس حاجات كنيستهم وفي توعية من هم أهل للخدمة الكهنوتيّة، أو الخدمة الشمّاسيّة، أمتزوّجين كانوا أم عازبين، كبارًا أم صغارًا، واختيارهم وتقديمهم إلى الأسقف، ثم بتحمّل مسؤوليّة تأمين معيشتهم بعد أن يُرسموا لخدمتهم.
ويشجّع المجمع الجماعات المسيحيّة على أن تقدِّم للخدمة الشّماسيّة الدائمة رجالاً مختبرين يتمتّعون بالكفاية والاستقرار الاجتماعيّ ويستطيعون أن يحتفظوا بمهنتهم أو عملهم، فيلبّون حاجات ملحّة في كنيستنا.
2. الأسقف والدعوة
52. بما أنّ الأسقف، الذي يعود إليه القرار في الدعوة، لا يعرف جميع أبناء أبرشيّته ولا يستطيع أن “يميّز المستحِقّ عن غير المستحقّ” بين الذين يقدّمونهم إليه، ولا بدّ له من أن يستعين بآخرين،
فإنّ المجمع يوصي الأساقفة بتعيين لجان للدعوات في أبرشيّاتهم، يكلّفونها مؤازرتهم في إيقاظ الدعوات واستقبال المدعوّين وتمييز دعوتهم وتوجيههم إلى حيث يجب أن يكونوا وبحسب حاجات الكنيسة، ثمّ مرافقتهم في مسيرة انسانيّة وروحيّة قبل دخولهم المدرسة الإكليريكيّة وإبّان وجودهم فيها بالتعاون مع إدارتها ومرشديها. وهكذا تستطيع تلك اللجان في النهاية أن تكون عونًا مفيدًا للأساقفة في اتّخاذ القرار بقبول المدعوّين ورسامتهم.
3. المدرسة الإكليريكيّة
53. لمّا كان دور المدرسة الإكليريكيّة في كنيستنا يتوقّف خاصّة على تأمين تنشئة واسعة ومعمّقة وملائمة لمواكبة تطوّرات العصر ولتخريج كهنة قدّيسين ومثقّفين ورعاة،
ولمّا كانت التنشئة تتوزّع اليوم بين المدارس الإكليريكيّة وكليّات اللاهوت ومعاهده وكان لا بدّ من التنسيق في ما بينها،
فإنّ المجمع يوصي بتعيين لجنة متخصّصة مؤلَّفة من رؤساء المدارس الإكليريكيّة وعمداء كليّات اللاهوت تُكلّف وضع رؤية واحدة وواضحة المعالم وخطّة شاملة ومتكاملة تكون بمثابة شرعة للتنشئة الكهنوتيّة في الكنيسة المارونيّة؛ فتشدّد، من جهة على حصول الطلاّب على التنشئة الروحيّة والفكريّة والإنسانيّة والرسوليّة المناسبة وإعدادهم للقيام بمهمّاتهم الكثيرة ومواكبة مجالات العمل الرعويّ الجديدة وتهيئتهم لعيش روح الجماعة والعمل المشترك وللعمل المسكونيّ الرسوليّ والرساليّ وللتعاون مع سائر الأديان، وتضيف، من جهة ثانية، إلى البرامج العامّة التي تضعها الكنيسة الكاثوليكيّة، برنامجًا خاصًّا بالكنيسة المارونيّة في التاريخ والروحانيّة والليتورجيا والحقّ القانونيّ الشرقيّ والشرع الخاصّ واللغة السريانيّة.
أمّا في شأن الطلاّب الذين يدخلون المدرسة الإكليريكيّة ولم يختاروا بعد الحالة التي فيها سيعيشون كهنوتهم وخدمتهم في المستقبل، ونظرًا إلى التنشئة الخاصّة التي تحتاجها كلّ من الحالتين، العزوبة والزواج، فإنّ المجمع لا يرى مانعًا في أن تبقى التخصّصيّة التي قرّرتها السلطة الكنسيّة سارية المفعول، أي أن تكون الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير وإكليريكيّة سيّدة لبنان في واشنطن للذين اختاروا العزوبة، وإكليريكيّتا مار أنطونيوس البادوانيّ في كرمسدّه ومار أوغسطينُس في كفرا للذين قد يختارون الزواج.
4. مراكز تنشئة خاصّة
54. نظرًا إلى تكاثر الحاجات والمقتضيات الرعويّة في كنيستنا، ونظرًا إلى ازدياد الطلب على تنشئة خاصّة بالمتزوّجين البالغين الذين لا يستطيعون الدخول في برنامج المدرسة الإكليريكيّة وبالشمامسة الدائمين وبالكهنة المرسلين،
فإنّ المجمع يناشد الأساقفة أن يبذلوا الجهود في سبيل تأمين مركز خاصّ يكون له إطار مؤسّساتيّ وإنسانيّ وروحيّ وثقافيّ مناسب لتنشئة المدعوّين البالغين إلى الخدمة الكهنوتيّة أو الخدمة الشمّاسيّة الدائمة، ولتنشئة زوجاتهم.
كما يناشدهم التعاون على تأمين إطار مؤسّساتيّ آخر أو مركز خاصّ يُعنى بتنشئة المدعوّين إلى الخدمة في بلدان الانتشار أو بلدان الإرساليّات تنشئةً تتلاءم مع متطلّبات وحاجات المجتمعات التي يقصدونها.
5. القيّمون على التنشئة في المدارس الإكليريكيّة أو في مراكز التنشئة الخاصّة
55. لمّا كان نجاح المهمّة التربويّة في المدارس الإكليريكيّة أو في مراكز التنشئة الخاصّة منوط، إلى حدّ كبير، بحسن اختيار المربّين المؤهَّلين، من جهة، وبتعاونهم الوثيق في جماعة كنسيّة مميّزة، من جهة ثانية،
فإنّ المجمع يناشد الأساقفة أن يعملوا مع غبطة السيّد البطريرك على إيلاء المدارس الإكليريكيّة ومراكز التنشئة الخاصّة الاهتمام الأوّل واختيار القيّمين على التنشئة من بين الكهنة الكُفاة وتأمين تأهيل خاصّ لهم وتفريغهم لهذه الخدمة، والاستعانة بذوي الاختصاص من العلمانيّين.
كما يوصي بتعزيز التنسيق بين القيّمين على التنشئة في المدارس الإكليريكيّة وفي كليّات اللاهوت ومعاهده.
6. التنشئة الكهنوتيّة
56. لمّا كان من الضروريّ أن تأتي التنشئة مطابقة لتطورّات العصر، وكان لا بدّ من تنشئة معمَّقة وواسعة الآفاق تجعل من كهنتنا معلِّمي الأجيال الطالعة،
فإنّ المجمع يوصي بأن تشدّد التنشئة على الناحية الإنسانيّة بالدرجة الأولى بحيث تكوّن في كاهن الغد شخصيّة ناضجة تسمح له بأن يكون “جسرًا بين النّاس وبين يسوع المسيح”[85]، لأنّه هو “من يقوم في الوسط بين الله والنّاس”[86].
ثمّ على الناحية الروحيّة بحيث يتعلّم كاهن الغد أن يحيا حياة اتحاد دائم وبنويّ بالآب بواسطة يسوع المسيح في الروح القدس من أجل تقديس نفسه وتقديس شعب الله الموكل إليه، لأنّه هو المخوّل خدمة “الأقداس للقدّيسين بالكمال والنقاوة والقداسة”[87].
ثمّ على الناحية الفكريّة بحيث يكتسب كاهن الغد حكمةً تشدّه إلى معرفة الله والتعلّق به، ومعرفةً تساعده على تعليم إخوته وقيادتهم في طريق الخلاص، وقدرةً تخوّله تعلّم اللغات وتأقلم الإنجيل في الثقافات ليكون معلّمًا لإخوته الموارنة المنتشرين في العالم والمنتمين إلى ثقافاته ولغاته المتعدّدة.
ثمّ على الناحية الراعويّة بحيث يؤهَّل كاهن الغد للاشتراك في محبّة يسوع المسيح الراعي الصالح ولخدمة جميع النّاس. كما يجب التركيز على إعطائه تنشئة مؤسّساتيّة تساعده على تدبير رعيّته تدبيرًا حكيمًا، لأنّه هو “الوكيل الأمين والمدبِّر الحكيم”[88].
7. التنشئة المستمرّة
57. لا يخفى على أحد أنّ تنشئة الكهنة المستمرَّة “هي امتداد طبيعيّ لتكوين الشخصيّة الكهنوتيّة التي تنشّأت في المدرسة الإكليريكيّة. ولأنّ الخدمة الراعويّة التي يقوم بها الكاهن هي دائمة ومستمرّة، فهي تفترض تأهيلاً متواصلاً، وتوجب على الكهنة التعمّق في الأبعاد الإنسانيّة والروحيّة والفكريّة والراعويّة من خلال التثقيف الكهنوتيّ المستمرّ”[89].
لذلك فإنّ المجمع يناشد الأساقفة أن يعملوا ما في وسعهم لتأمين تنشئة مستمرّة لكهنتهم وشمامستهم تعزّز تجدّدهم الروحيّ والثقافيّ وعملهم الراعويّ، فيسهرون على:
- إنشاء جهاز أو مركز يؤمّن لهم التعمّق في مفهوم دعوتهم وخدمتهم والاطلاع على المستجدّات في تعاليم الكنيسة والتطوّر العلميّ.
- إيجاد السبل لتأمين ما هو ضروريّ من كتب ومجلاّت ووسائل تقنيّة حديثة.
- تشجيع اللقاءات الكهنوتيّة والدوريّة على مستوى الأبرشيّة والكنيسة، لاسيّما منها الرياضات الروحيّة.
- إرسال المؤهّلين من الكهنة للتخصّص في أحد المجالات التي تحتاج إليها الأبرشيّة والكنيسة.
خاتمة
58. أصبحت كنيستنا اليوم، في بداية الألف الثالث، منتشرة في جميع بلدان العالم، واندمجت في حضاراتها وثقافاتها، وباتت تعيش في عالم قصرت فيه المسافات وتقارب فيه النّاس، وتضاعفت فيه التحدّيات الدينيّة والفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة، وزاد فيه التوق إلى العدالة والسلام والسعي إلى الحقيقة وصون الكرامة البشريّة، وروح التضامن والتزام قضايا الإنسانيّة الضعيفة والمتألّمة، فتضاعفت حاجاتها وتكاثرت عليها التحدّيات، وتعاظمت رسالتها.
لذا فإنّه لا بدّ من أن يكون لها كهنة يلبّون حاجاتها ويحملون رسالتها في كلّ مكان،
كهنة يعيشون كهنوتهم عن طريق الاتّحاد بالسيّد المسيح ليكونوا له امتدادًا في العالم؛
كهنة يرتبطون بأساقفتهم، ومن خلالهم بكنيستهم البطريركيّة وبرأسها البطريرك، ويعيشون في ما بينهم أُخوّة صادقة؛
كهنة مثقفون يعلّمون الأجيال الطالعة أسس الإيمان وعيشه في التزام قضايا عصرهم؛
كهنة يعيشون خدمتهم الراعويّة بتجرّد وفقر وعطاء؛
كهنة يعيشون مطلقيّة الإنجيل ويشهدون للمسيح الفادي والمخلِّص.
وكلّنا ثقة بأنّ كهنتنا في الألفيّة الثالثة،
الذين ستدعوهم كنيستنا وتنشِّئهم بحسب مقتضيات حاجاتها وتلبيةً لها،
سيكونون أنبياء ورسلاً وخدّام البشارة الجديدة بالنكهة المارونيّة،
لأنّهم يكونون قد حصلوا على ثقة شعبهم، وحصّلوا التنشئة الإنسانيّة والروحيّة والفكريّة والرعائيّة الملائمة لمواجهة التحدّيات الآتية، وسيكونون رُعاة الشعب في جميع ظروفه.
ولا غرو في ذلك لأنّهم كهنة المسيح الكاهن الأبديّ والراعي الأعظم الحاضر دائمًا وأبدًا فيهم وفي كنيستهم وفي العالم.
توصيات النصّ وآليات العمل
الموضوع |
التوصية |
الآليّة |
1- حياة الكهنة الروحيّة. |
1- يوصي المجمع الكهنة بأن يعمّقوا اتحادهم بالمسيح لكي يكونوا شهودًا له وعلامة لحضوره في عيشهم وخدمتهم الراعويّة وحياتهم الروحيّة. |
1- قيام الكهنة بخدمتهم الرعويّة، والمثابرة على قراءة الكتاب المقدّس، والصلاة الفرديّة والجماعيّة في الرعيّة، لاسيّما صلاة الزمن الطقسيّ، والتأمّل والاسترشاد. |
2- طريقة عيش الكهنة.
|
2- يوصي المجمع الكهنة بأن يتمسّكوا بعيش الفقر، لا احتقارًا ونبذًا للخيرات الماديّة، بل استعمالاً حرًًّا لها وزهدًا بها. |
2- اعتناق الكهنة حياة بسيطة تكون بعيدة عن مظاهر الترف وتؤدّي شهادةً للمسيح، الذي افتقر وهو الغنيّ، وتخصيص جزء من مدخولهم الشخصيّ لمساعدة المحتاجين. |
3- عيش الاخوّة والتضامن بين الكهنة.
|
3- يحثّ المجمع الكهنة على عيش الأخوّة والتضامن في ما بينهم، ويحثّ الأساقفة على عيش التضامن مع إخوتهم الكهنة وعلى تشجيع روح الأخوّة والتعاون بين الكهنة وروح الانتماء إلى الجسم الكهنوتيّ. |
3- تعزيز الحياة المشتركة في ما بين الكهنة والعمل معًا عن طريق إنشاء بيوت للكهنة حيث تدعو الحاجة، وتكثيف اللقاءات الروحيّة والثقافيّة والترفيهيّة، وتشجيع الكهنة على الدخول في جمعيّات كهنوتيّة. |
4- علاقة الكهنة بالعلمانيين وبالرهبان والراهبات.
|
4- بما أنّ الكاهن هو علامة لحضور المسيح، وعليه أن يعكس صورته وسط الرعيّة الموكلة إليه، يوصي المجمع الكهنة بأن يضعوا ذواتهم في علاقة إيجابيّة ومشجعة بالمؤمنين العلمانيّين وبالرهبان والراهبات، وبأن يدعموا دورهم الخاص في الكنيسة، مجنّدين كلّ خدمتهم الكهنوتيّة ومحبّتهم الراعويّة لهم.
|
4-أ: تنمية روح المسؤوليّة المشتركة مع العلمانيّين في خدمة رسالة المسيح الخلاصيّة، في احترام وتعزيز للمواهب التي يمنحها الروح للمؤمنين. 4-ب: تعزيز الحركات والمنظّمات الرسوليّة والرابطات المسيحيّة وتأمين التوجيه والإرشاد لها إمّا مباشرةً أو عبر الاستعانة بكهنة آخرين أو برهبان وراهبات أو بعلمانيين. 4-ج: تنظيم لقاءات مشتركة مع الرهبان والراهبات.
|
5- تفرّغ الكهنة لخدمة الرعيّة.
|
5- من أجل القيام بالخدمة الرعويّة المطلوبة، يوصي المجمع بأن يتفرّغ العدد اللازم من الكهنة للاهتمام بالمؤمنين والعناية بهم دون إغفال مجالات العمل الكهنوتيّ والرعائيّ في المدارس والمؤسّسات. |
5- يقتضي تفرّغ الكاهن تهيئة جدّية له وتأمين معيشة لائقة به لكي يأتي حضوره نوعيًّا.
|
6- تأمين معيشة لائقة بالكهنة والشمامسة.
|
6-أ: يدعو المجمع الأساقفة إلى ترتيب معيشة لائقة بالكهنة ضمن أبرشياتهم وإنشاء صندوق الكاهن فيها. 6-ب: يدعو المجمع الأساقفة إلى التعاون على إنشاء صندوق مشترك لتوفير الضمان الصحيّ وضمان الشيخوخة للكهنة. 6-ج: يحثّ المجمع المؤمنين الموارنة في كلّ الرعايا والجماعات المسيحيّة على تحمّل مسؤولياتهم المعنويّة والماديّة بغية تأمين معيشة لائقة وكريمة للكهنة والشمامسة. |
6-أ: يتمّ ذلك بالتعاون مع المؤمنين ولجان الأوقاف والجمعيّات الكنسيّة في أبرشياتهم.
6-ب: يتمّ ذلك عبر مساهمة البطريركيّة والأبرشيّة ولجان الأوقاف وتبرعات المؤمنين والكهنة أنفسهم، مع تعيين إدارة متخصّصة.
6-ج: يتم ذلك بالمحافظة على العادة الجارية، أيّ أن يقدّم المؤمنون مساهمة شهريّة أو سنويّة بالطريقة التي تناسب كلّ أبرشيّة وكلّ رعيّة.
|
7- تعزيز الخدمة الشماسيّة.
|
7-أ: يحثّ المجمع الأساقفة على تعزيز الخدمة الشماسيّة في أبرشياتهم حيث تدعو الحاجة، وعلى دعوة من هم مؤهلون لها. 7-ب: يشجّع المجمع العائلات والرعايا والمنظمات المسيحيّة على أن تقدّم إلى الأسقف من هم مؤهلون للخدمة الشماسيّة. |
7-أ: وضع برنامج خاص بالشمامسة وتنشئتهم تنشئة ملائمة.
7-ب: تقديم رجال مختبرين يتمتّعون بالكفاءة والإستقرار الاجتماعيّ.
|
8- توزيع الكهنة.
|
8- يوصي المجمع الاساقفة بأن يتعاونوا على توزيع الكهنة توزيعًا يتناسب مع الحاجات الجديدة في أبرشياتهم وفي الكنيسة كلّها، ويتمنّى على أساقفة النطاق البطريركيّ أن يلبّوا نداءات إخوتهم في أبرشيات الانتشار أو غيرها، فيوجّهون إليهم من هم جديرون بالخدمة فيها ومستعدّون لها. |
8- دراسة واقع الحاجات، وكفاءات الكهنة، وتوزيعهم وفقًا لهذه الحاجات، والتعاون بين الأبرشيّات على تبادل الكهنة لمدّة محدودة من خلال اتفاقيّات أو توأمة أو انتقال نهائيّ. |
9- الإهتمام بالدعوات.
|
9-أ: يوصي المجمع الكهنة بأن يعيروا اهتمامًا خاصًا بإيقاظ الدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة ومرافقتها.
9-ب: يوصي المجمع الأساقفة بأن يحثّوا الكهنة والمسؤولين في المنظمات الرسوليّة على تشجيع من يتحلّون بالمؤهلات اللازمة للخدمة الكهنوتيّة وعلى تقديمهم إلى الأسقف. |
9-أ يؤدّي الكهنة هذه الخدمة عبر شهادتهم الكهنوتيّة أوّلاً، وعبر مرافقتهم للشبيبة ولمن يكتشفون فيهم الدعوة مرافقة ثقافيّة واجتماعيّة وروحيّة. 9-ب: التشديد على أهميّة التجاوب مع دعوة الله، ومرافقة الذين يدعوهم الأسقف في مسيرتهم نحو الكهنوت أو الشماسيّة أو نحو الحياة الرهبانيّة. |
10- لجان الدعوات |
10- يوصي المجمع الأساقفة بتعيين لجان للدعوات في أبرشياتهم من أجل مؤازرتهم في إيقاظ الدعوات واستقبال المدعوين وتمييز دعوتهم وتوجيههم إلى حيث يجب أن يكونوا وفقًا لحاجات الكنيسة.
|
10- تؤلّف اللجنة من كاهنين أو ثلاثة، ومن راهب وراهبة، ومن علمانيّين، ويقع ضمن مهامها: وضع برامج توعية في الرعايا والمدارس لإيقاظ الدعوات ومرافقة المدعوين في مسيرة إنسانيّة وروحيّة، وذلك قبل دخولهم إلى المدرسة الإكليريكيّة وخلال وجودهم فيها بالتعاون مع إدارتها ومرشديها، وبعد خروجهم منها. |
11- شرعة التنشئة الكهنوتيّة في الكنيسة المارونيّة |
11- يوصي المجمع باستكمال صياغة شرعة التنشئة الكهنوتيّة في الكنيسة المارونيّة على يدّ اللجنة البطريركيّة المعنيّة. |
11-أ: التشديد على حصول الطلاب على التنشئة الروحيّة والفكريّة والإنسانيّة والرسوليّة المناسبة، وإعدادهم للقيام بمهمّاتهم الكثيرة، ومواكبة مجالات العمل الرعويّ الجديدة، وتهيئتهم لعيش روح الجماعة والعمل المشترك وللعمل المسكونيّ الرسوليّ والرساليّ وللتعاون مع سائر الأديان. 11-ب: إضافة برنامج خاصّ بالكنيسة المارونيّة في التاريخ والروحانيّة والليتورجيا والحقّ القانونيّ الشرقيّ والشرع الخاصّ واللغة السريانيّة إلى البرنامج العام. |
12- إيلاء المدارس الإكليريكيّة ومراكز التنشئة الاهتمام الأوّل. |
12- يوصي المجمع بإيلاء المدارس الاكليريكيّة ومراكز التنشئة الإهتمام الأوّل. |
12- اختيار القيّمين على التنشئة من بين الكهنة الكفوئين، وتأمين تأهيل خاصّ لهم، وتفريغهم لهذه الخدمة، والإستعانة بذويّ الإختصاص من العلمانيّين. |
13- تنشئة مستمرّة للكهنة.
|
13- يوصي المجمع بتأمين تنشئة مستمرّة للكهنة والشمامسة بغية تعزيز تجدّدهم الروحيّ والثقافيّ وعملهم الراعويّ.
|
13- الإفادة من اللقاءات الكهنوتيّة والدوريّة على مستوى الأبرشيّة والكنيسة، لكي تكون مجالاً للتنشئة: أ- التعاون مع كلّيات اللاهوت على تنظيم دورات متخصّصة لمواكبة المستجدات في تعاليم الكنيسة والموضوعات الحديثة. ب- تأمين ما هو ضروريّ من كتب ومجلات ووسائل تقنيّة حديثة في مراكز تكون في متناول الكهنة. ج- تطبيق ما ورد في القوانين الكنسية في ما يخصّ الكهنة الحديثيّ السيامة لجهة متابعة تنشئتهم على مدى خمس سنوات، مع التشديد على المهارات الإداريّة والراعويّة. د-تطبيق القوانين القائلة بأن يكرّس كلّ كاهن سنة للتجدّد. |
14- تخصّص الكهنة. |
14- يوصي المجمع بإرسال المؤهلين من الكهنة للتخصّص في أحد المجالات التي تحتاج إليها الأبرشيّة والكنيسة.
|
14- دراسة حاجات الأبرشيّة والكنيسة وإختيار من يتمتّعون بالكفاءة العلميّة والمؤهّلات الروحيّة والثقافيّة. |
1. “وفي المعنيّين، يقول البطريرك الدّويهي، صحّ قول الربّ القائل: من تُراه العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيّده على أهل بيته ليعطيهم الطعام في حينه” (متى 24/45). راجع البطريرك إسطفان الدّويهي، منارة الأقدّاس، الجزء الأول، طبعة رشيد الشرتوني، المطبعة الكاثوليكيّة، بيروت، 1895، المنارة الثالثة، ص 201-202.
2. البطريرك اسطفان الدويهي، شرح التكريسات والشرطونيّة، طبعة رشيد الشرتوني، المطبعة الكاثوليكيّة، بيروت، 1902، ص 130.
3. راجع: البطريرك إسطفان الدّويهي، شرح التكريسات والشرطونيّة، المركز المذكور، ص 89-90 و 129-133. راجع أيضاً كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة.
4. راجع: صلاة الفرض، ليل الأربعاء، في سدرو القومة الثالثة؛ وقدّاس أحد الكهنة، في صلاة البدء وفي الحسّاية.
5. وهو “الكهنوت الطبيعيّ”. راجع: صلاة الفرض، في سوغيت صباح الجمعة وسوغيت ليل الاثنين. وكتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، في صلوات وضع اليدّ قبل المسح بالميرون.
6. راجع: كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، وصلاة الفرض في صباح أحد الكهنة، وكتاب القدّاس في البركة الأخيرة في الأعياد الاحتفاليّة؛ وكتاب الرسائل في قراءة 15 أيّار و16 تموّز.
7. وهو “الكهنوت التوراتيّ” للخدمة. راجع: كتاب القدّاس القديم في بخور هارون. وكتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، لحن سترونن قبل الحسّاية.
8. راجع: صلاة الفرض في مساء أحد الكهنة: صلاة البدء ولحن عم خلهون شمايونه ولحن سوغيت، وفي الصباح لحن فشيطو.
9. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، صلوات وضع اليدّ.
10. المرجع ذاته، الحسّاية.
11. المرجع ذاته، لحن سترونن.
12. المرجع ذاته، صلاة مسح الميرون.
13. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، في صلوات تلبيس الكاهن الجديد الوشاح الكهنوتي.
14. صلاة الفرض، في القومة الثالثة من ليل الأربعاء والجمعة وفي صلاة المساء من أحد الكهنة؛ وكتاب القدّاس، في حسّاية أحد الكهنة حيث نقرأ أنّ المسيح هو “مؤلِّه الكهنة ومقدِّسهم ليخدموا أسراره خدمة كاملة”، وفي حسّاية قدّاس الرسل الإثني عشر.
15. راجع: 1 طيم 4/11-13؛ 2 طيم 4/5؛ طي 1/9.
16. كتاب القدّاس، حسّاية أحد الأبرار والصدّيقين.
17. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، في صلوات وضع اليدّ.
18. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، صلاة النعمة الإلهيّة وصلوات وضع اليدّ.
19. الكاهن “يقوم في الوسط بين الله والنّاس، ويقبل ذبيحة الشعب، ويرسل صلاته إلى العلاء، ويدعو الروح في الخفاء فينزل إليه علانيّة ويتجسّد في الخبز، ويحلّ في كأس الخلاص، فيدنو الخطأة ويأخذون الجسد والدم فيطهّرون من ذنوبهم”. كتاب الفرض، في مساء أحد تجديد البيعة، لحن مشيحو نطريه لعيدتخ.
20. كتاب القدّاس، الدعوة قبل المناولة.
21. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، في الحسّاية.
22. كتاب الفرض، في حسّاية مساء أحد الكهنة.
23. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، في صلوات وضع اليدّ؛ وكتاب القدّاس، في صلاة العطر من أحد تجديد البيعة.
24. جنّاز الكهنة، لحن ككرور.
25. جنّاز الكهنة، لحن لعِل من شوفرا؛ وكتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، في الحسّاية وفي صلاة إعلان الرسامة؛ وكتاب الفرض، في حسّاية صباح أحد الكهنة؛ وهذان النصّان من متّى هما من النصوص الأكثر استشهاداً في الليتورجيا المارونيّة، وعند السريان إجمالاً.
26. المجمع اللبنانيّ، القسم الثالث، الباب الثاني، عدد 9. طبعة نجم، ص 332.
27. ولنا في ما نَقَله بعض المرسلين والمستشرقين وصف دقيق لما كان يعيشه الكهنة والشمامسة والرهبان عندنا في ممارسة خدمتهم الراعويّة. من مثل الأب دانديني اليسوعيّ والأب ريشار سيمون اليسوعيّ الذي ترجم إلى الفرنسية رحلة الأب دانديني إلى جبل لبنان (1596-1598)، الأب أوجين روجيه الكبّوشيّ (القرن السابع عشر)، الأب سيلفستر دي سان أنيان (القرن السابع عشر)، لوران دارفيو القنصل الفرنسيّ (1679-1683)، وغيرهم.
راجع هذه النصوص في: الأب يواكيم مبارك، خماسيّة أنطاكيّة-أبعاد مارونيّة، الجزء الأوّل، المجلّد الثاني، الندوة اللبنانيّة، بيروت، 1984، ص 805-877.
28. المرجع ذاته، القسم الثالث، الباب الثالث، عدد 4 و5. طبعة نجم، ص 330.
29. المرجع ذاته، القسم الثالث، الباب الثالث، عدد 10. طبعة نجم، ص 332- 333.
راجع ايضاً مجمع قنوّبين 1580 الذي يقول عن “خادم السرّ الذي هو الكاهن والذي تعود إليه وظيفة منح السرّ: هو الذي يعمّد، وله سلطان الحلّ والربط بقوّة وظيفته المخصوص بها اذ هو مختار أن يكون راعي الأنفس في رعيّته وكنيسته المخصوص بها”. (ق 3 في المعموديّة وق 3 في الاعتراف). راجع نص هذا المجمع في: بطرس فهد، مجموعة المجامع الطائفيّة المارونيّة عبر التاريخ، جونيه، مطابع الكريم، 1975، ص 35-71.
J.FEGHALI, Histoire du Droit de l’Eglise Maronite, T.I, Paris, Letouzey et Ané, 1962, P. 107-135
30. المرجع ذاته، القسم الثالث، الباب الثالث، عدد 2. طبعة نجم، ص 327.
31. المرجع ذاته، القسم الثالث، الباب الثالث، عدد 3، طبعة نجم، ص 329.
كذلك في القسم الثاني، الباب الرابع عشر، عدد 12، طبعة نجم، ص 243، حيث نقرأ: “ولمّا كانت الرسامة تقيّد الإكليريكيّ بسلطان الأسقف الذي رسمه وبولايته بحيث لا يتأتّى له أن يباشر شيئاً ممّا يلابس الإلهيّات على غير رضاه أو علم منه، وكان كلّ إكليريكيّ مرتبطاً بكنيسة معيّنة بحيث يلتزم القرار فيها ويباشر كلّ الخدم التي تقتضيها درجته فيستحقّ بمقابلة ما يأتيه منها أن يجري عليه من الرزق ما يكفيه لمعيشته”.
32. القسم الثالث، الباب الثاني، عدد 4. طبعة نجم، ص 312-313.
33. في براءة “إنّ الوظيفة الرسوليّة”، المؤرخّة في 31 آذار 1732.
34. في القسم الرابع، الباب الثاني بكامله؛ طبعة نجم، ص 459-499.
35. القسم الرابع، الباب الثاني، عدد 7. طبعة نجم، ص 466.
36. المرجع ذاته، عدد 8. طبعة نجم، ص 466-467.
37. لمزيد من الشرح، راجع نصّ “الرعيّة والعمل الرعويّ” في أعمال هذا المجمع.
38. إرشاد رسوليّ رجاء جديد للبنان، عدد 63.
39. راجع القوانين 415 و 282 و 284.
40. راجع: لو 9/1-6 و 10/1-9 وغل 6/6 و1 قور 9/11.
41. راجع: المجمع اللبنانيّ، القسم الثاني، الباب الرابع عشر، قوانين 12 و31 و32، طبعة نحم، ص 243 و258 و259. والمجمع الفاتيكانيّ الثاني، “قرار مجمعيّ في حياة الكهنة وخدمتهم الراعويّة”، أعداد 17 و20 و21. وإرشاد رسوليّ “أعطيكم رعاة“، عدد 30. ودليل في خدمة الكهنة وحياتهم، الوثيقة الصادرة عن مجمع الإكليروس في 1/1/1994، عدد 67. وإرشاد رسولي رجاء جديد للبنان، عدد 61. ومجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، ق 385 و390 و1021. والشرع الخاصّ بالكنيسة المارونيّة، المادّة 50.
42. “قرار مجمعيّ في حياة الكهنة وخدمتهم الراعوية”، عدد 16.
43. قانون 373.
44. هكذا فعل بطرس رئيس الرسل في اختيار متِّيّا الرسول (رسل 1/15-26) والمعاونين السبعة (رسل 6/1-6). وهكذا أقام الرسل برنابا وشاول اللذين أفردوهما للعمل في الكنيسة التي في أنطاكية (رسل 13/2-3). وهكذا أقام الرسل وخلفاؤهم خِدَماً جديدة في الكنيسة الأُولى ليلبّوا حاجاتها المستجدّة. ومن هذه الخدم: الأنبياء (رسل 13/1؛ 1 قور 12/28؛ أف 4/11)؛ المعلّمون (رسل 13/1؛ 1 قور 12/28؛ أف 4/11)؛ الشيوخ (رسل 11/30؛ 1 طيم 5/17؛ طي 1/5)؛ الأساقفة (1 طيم 3/1-7؛ طي 1/7-9)؛ الشمامسة (1 طيم 3/8-13).
45. هكذا عرض بطرس، رئيس الرسل، على الإخوة حاجة اختيار رسول “يتولّى منصب يهوذا” (رسل 1/20)، وهكذا عرض الإثنا عشر على جماعة التلاميذ حاجة “توزيع الأرزاق اليوميّة على أرامل اليهود الهلّينيّين” (رسل 6/1). وفي الحالتين حدّد بطرس والإثنا عشر المؤهلات المطلوبة ثم طلبوا إلى الإخوة الاختيار.
46. كما في 1 طيم 3/2-6 و 8-13 و طي 1/6-9.
47. كما في 1 طيم 3/7.
48. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، صلاة النعمة الإلهيّة.
49. المرجع ذاته، في صلوات وضع اليد، وهي مذكورة خمس مرّات.
50. المرجع ذاته، صلاة النعمة الإلهيّة.
51. المرجع ذاته، فيقول الأسقف: “وهو يخطب نفسه على المذبح المقدّس في كنيسة مار… في بلدة… المباركة التي تلقي تبعة المسؤوليّة على الذين قدّموه”.
52. فالتنبيه الذي نقرأه في مقدّمة رتبة الرسامة يستشهد حرفيًّا بالقانون 15 من مجمع نيقيه، حيث يقول: “من لا يُعرّف عنه المكان أقسّيسًا كان أمّ شماسًّا، لا يجوز أنّ يقتبل وضع اليدّ لأنّه على اسم المكان الذي من أجله يقبل وضع اليدّ يعلن اسمه”.
والبطريرك الدويهي يستشهد، في شرح الشرطونيّة، بالقانون 6 من مجمع خلقيدونيه، حيث يقول: “لا ينبغي أنّ يُرسم أحد بطريقة مطلقة، لا أسقف ولا قسّيس ولا شمّاس، ولا لأيّ خدمة كنسيّة، إلا مقيّداً بكنيسة مدينة أو قرية أو معبد شهداء أو دير. فقد حكم المجمع المقدّس بأن تكون رسامته باطلة ويعدّ غير أهل للخدمة عبثاً بالراسم وازدراءً له”. راجع: شرح التكريسات، ص 192.
53. المجمع اللبنانيّ، القسم الثاني، الباب الرابع عشر، عدد 12، طبعة نجم، ص 243. ويعيد هذا النصّ الاستشهاد بالقانون 6 من مجمع خلقيدونيه. وكذلك القسم الثالث، الباب الثالث، عدد 1، طبعة نجم، ص 325.
54. كتاب الهدى، طبعة الأباتي بطرس فهد، حلب، المطبعة المارونيّة، 1935، ص 179.
55. البطريرك الدويهي، شرح التكريسات، مرجع ذاته، ص 211.
56. كما يقول أحد الآباء اليسوعيين سنة 1854: “هنا بحسب القاعدة العامّة، لا يُرفع علمانيّ إلى الكهنوت إلاّ اذا كان قدّمه الشعب إلى المطران. وهذه القاعدة لا تقبل الشواذ كما أعتقد في ما يختصّ بالكهنة الذين يتولَّون مهمّة خدمة النفوس”. راجع:
P. Louis-Xavier ABOUGIT, lettre à Mgr Mislin, Camérier de S.S. Pie IX, in: Recueil de lettres intitulées Mission de Syrie, B.N. Paris. 1854.
57. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، التنبيه في مقدّمة الرتبة.
58. البطريرك الدويهي، شرح التكريسات، المرجع المذكور، ص 187. وكذلك المجمع اللبنانيّ، القسم الثاني، الباب الرابع عشر، عدد 26، نجم، ص 256.
59. البطريرك الدويهي، شرح التكريسات، ص 186. وهو اقتباس من كتاب الهدى، طبعة فهد، ص 179.
60. المجمع اللبنانيّ، المرجع ذاته، عدد 25، طبعة نجم، ص 255.
61. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، التنبيه. وهو يستشهد بالقانون 3 من مجمع خلقيدونيه وبرسائل بولس إلى تيطس (طي 1/5-9) وتيموتاوس (1 طيم 3/2-7).
62. البطريرك الدويهي، شرح التكريسات، ص 186.
63. طبعة فهد، ص 177-178 حيث يوصي بأن “يكون الكهنة ذويّ سيرة صالحة وأحراراً في بيوت الله بأجسادهم وبتصرّفاتهم لكي لا ينشغلوا بنسائهم وأولادهم وأموالهم. واذا كانوا متزوّجين، بأن يعيشوا حياتهم الزوجيّة بإقصار وبطاعة وصايا الله”.
64. القسم الثاني، الباب الرابع عشر، عدد 35، طبعة نجم، ص 261-262. يقول آباء المجمع: “إنّه تقليد قديم وعادة جارية عند عامّة الشرقييّن أن يستبقي ذوو الدرجات الصغيرة والشدايقة والشمامسة والكهنة نساءهم اللواتي كانوا قد اقترنوا بهنّ من قبل ارتقاء الدرجة المقدّسة، والكنيسة الرومانيّة المقدّسة لم تحرّم عليهم هذا الزواج بل أيّدته. لذلك نحن لم نَرَ أن نحرّم على ذويّ الدرجات الصغار عندنا عقد الزواج ولا ذويّ الدرجات المقدّسة التصرّف بالزواج المعقود من قبل، لكن بحيث لا يُكره مُريدو التبتّل على الزواج بل يُحمَلون عليه، أي التبتّل، بالحضّ والتحريض”. ثم يضيف آباء المجمع في مكان آخر “نصيحة مفيدة للاكليريكيّين المتزوّجين” بحسب بولس الرسول (راجع القسم الثالث، الباب الأول، عدد 15، طبعة نجم، ص 300-301. ويستشهد حرفياً بالرسول بولس في طي 1/7 و 1 طيم 3/2-12).
65. يكفي أنّ نقرأ ما كتبه الأب دنديني، الموفد البابويّ إلى الموارنة بين 1596 و1598: “الكهنة، وبالتالي الشمامسة والشدايقة يستطيعون، في حال لم يكونوا رهبانًا، أن يتزوّجوا قبل قبولهم سرّ الدرجة. بل بالأحرى يبدون وكأنّهم مرغمون على ذلك لأنّ الشعب لا ينظر إليهم بعين الرضى إذا لم يكونوا متزوّجين وبخاصّة إذا كانوا بعد في عمر الشباب. والمطارنة يضعون صعوبات غريبة لقبولهم في سرّ الدرجة إلاّ إذا دخلوا في أحد الأديار أو تزوّجوا”. Jérôme DANDINI, Voyage au Mont-Liban, éd. Richard Simon, Paris, Billaine, 1675, pp. 103-104.
66. وهذا ما أكده البطريرك بولس المعوشي في رسالة تحضيريّة للمجمع الفاتيكانيّ الثاني، بقوله: “طريقة الرسالة التي يقوم بها عندنا الإكليروس المتزوِّج هي طريقة تقليديّة قديمة العهد تحمل إيجابيّة بقاء الراعي بالقرب من قطيعه مدى الحياة. وهذا هو الإكليروس الذي ساعد، باستقراره، على المحافظة على الايمان في الجبل”. رسالة إلى الأب روبير كليمان في 22 شباط 1960، في مجلّة: Proche Orient Chrétien,12 (1962), pp. 123-126
67. شرح التكريسات، مرجع سابق، ص 210-211.
68. كتاب الشرطونيّة في درجة القسوسيّة، مرسوم الدعوة والاختيار أو صلاة النعمة الإلهيّة.
69. المجمع اللبنانيّ، القسم الرابع، الباب السادس، عدد 3. طبعة نجم، ص 535.
70. المجمع التريدنتينيّ، الجلسة 23، ق 18 من الإصلاح.
- Conciliorum Oecumenicorum Decreta, Bologna, ed. Istituto per le Scienze religiose, 1973, 3º édition, pp. 750-753.
- MICHEL, “les Décrets du Concile de Trente“, in: HEFELE – LECLERQ, Histoire des Conciles, t. x. 1ère partie, pp. 501-505.
71. المجمع اللبنانيّ، القسم الرابع، الباب السادس، عدد 6. طبعة نجم، ص 546. وكان آباء المجمع قد أمروا “بأن تقام المدارس في المدن والقرى والأديار الكبيرة وأن تصرف العناية إلى حفظها قائمة”، وناشدوا “كلاًّ من المتولّين رئاسة الأبرشيّات والمدن والقرى والمزارع والأديار جملةً وأفراداً أن يتعاونوا ويتضافروا على ترويج هذا العمل الكبير الفائدة، فيعنون أوّلاً بنصب معلّم حيث لا يوجد معلّم، ويدوّنون أسماء الأحداث الذين هم أهل لاقتباس العلم ويأمرون آباءهم بأن يسوقوهم إلى المدرسة ولو مكرهين”. (الباب 6، عدد 1، ص 529-530).
72. تجدر الاشارة إلى أنّ البطريرك يوحنّا مخلوف كان قد حوّل سنة 1624 دير سيّدة حوقا في وادي قنّوبين إلى مدرسة رسوليّة تلقّن طالبي الكهنوت وتحضّر النابغين منهم للّحاق بالمدرسة المارونيّة في روما. ولكنّها لم تعش سوى تسع سنوات.
73. فكانت المدارس التالية:
- مدرسة مار يوحنّا مارون كفرحيّ التي أسّسها البطريرك يوحنّا الحلو سنة 1812 لأبرشيّة جبيل والبترون.
- مدرسة مار مارون الروميّة التي أسّسها البطريرك يوحنّا الحلو سنة 1817.
- مدرسة مار سركيس وباخوس ريفون التي أسّسها البطريرك يوسف حبيش سنة 1823.
- مدرسة مار عبدا هرهريّا التي أسّسها البطريرك يوسف حبيش سنة 1830.
- مدرسة السيّدة عين سعاده التي أسّسها المطران طوبيّا عون، مطران بيروت، سنة 1852 بهدف تنشئة إكليريكييّ أبرشيّته. بعد أن أقفلت سنة 1975 أعاد فتحها سيادة المطران بولس مطر سنة 2002 على اسم مار أوغسطينس كفرا.
- مدرسة الحكمة بيروت التي أسّسها المطران يوسف الدبس، مطران بيروت وتلميذ مدرسة عين ورقه، سنة 1875 لتربية الشباب المارونيّ والكاثوليكيّ ولمجابهة الحملة البروتستانتيّة في بيروت.
- مدرسة مار يوسف قرنة شهوان التي أسّسها المطران يوسف جعجع، مطران قبرس، سنة 1885 بهدف تنشئة إكليريكيّي أبرشيّته.
- مدرسة مار أنطونيوس البادوانيّ كرمسدّه التي أسّسها المطران إسطفان عوّاد سنة 1885 بهدف تنشئة الإكليريكيّين والشباب من أبرشيّته؛ وكان قد بدأ بتأسيسها المطران بولس موسى سنة 1837.
74. التي تأسّست في باريس سنة 1876 بهدف “تنشئة الإكليروس المارونيّ”.
راجع المجلّة الخاصّة بهذه الجمعيّة: Bulletin de l’Association de Saint Louis des Maronites (1876-1914)
75. تجدر الإشارة إلى أنّ محاولات عدّة سجّلت في هذه المدّة. وكان من أهمّها:
1) تحويل دير الآباء اليسوعيّين في غزير إلى مدرسة إكليريكيّة مارونيّة بإدارتهم في عهد البطريرك أنطون عريضه سنة 1934.
2) تحويل مدرسة عين ورقة، ثمّ مدرسة مار عبدا هرهريا، إلى إكليريكيّة مارونيّة مركزيّة بإدارة جمعيّة المرسلين اللبنانيّين ثمّ الكهنة الأبرشيّين في عهد البطريرك أنطون عريضه ثمّ البطريرك بولس المعوشي بين سنة 1944 و1965.
3) فتح مدرسة إكليريكيّة مارونيّة في سلمنكا – إسبانيا والحصول على ثلاثين منحة في جامعة سلمنكا البابويّة في عهد البطريرك أنطون عريضه في تموّز 1948، بإدارة جمعيّة المرسلين اللبنانيّين.
4) فتح إكليريكيّة سيّدة لبنان المارونيّة في واشنطن سنة 1961 وتدشينها في أيلول 1962 على يدّ البطريرك بولس المعوشي، وذلك اعترافاً بأهميّة الهجرة المارونيّة في أميركا الشماليّة وضرورة تحضير كهنة لها وللأبرشيّة التي أعلنت سنة 1966.
76. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قرار مجمعيّ في التنشئة الكهنوتيّة، عدد 3.
77. المرجع ذاته، عدد 6.
78. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قرار مجمعيّ في حياة الكهنة، عدد 11.
79. البابا يوحنّا بولس الثاني، أعطيكم رعاة، عدد 11.
80. دراسات عديدة نشرت في هذا السياق. ومن أهمّها:
* R. CLEMENT, “La vie du clergé marié en Orient“, in P.O.C., 16(1966), P. 354-378
* M. KHAIRALLAH, “La formation du clergé séculier dans l’Eglise Maronite contemporaine”, Publications de l’U.A.C. Liban, 1993.
* F. VAN DER LUGT, “L’image du prêtre célibataire dans la communauté maronite libano-Syrienne”, Thèse, Lyon II, 1976, 2 vol.
81. المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قرار مجمعيّ في التنشئة الكهنوتيّة، عدد 6.
82. من مثل رعية إهمج في بلاد جبيل التي تقدّمت في 23 أيّار 1967 بعريضة إلى البطريرك بولس المعوشي تقول فيها: “يلتمس الموقّعون في ذيله أبناؤكم في إهمج من الأبرشيّة البطريركيّة بالإعراب عن ولائهم المطلق لمقامكم السامي راجين التفضّل بالموافقة على إدخال أحدهم، ولدكم يوسف بطرس عبّود حردان، المدرسة الإكليريكيّة المعدّة للدعوات المتأخّرة. وذلك بالنظر لحاجة بلدتنا إهمج الماسّة إلى خادم رعيّة، كون الأبوين الفاضلين الخوري بولس الخوري والخوري جبرايل جبرايل لم يعودا بحالة تمكّنهما من متابعة أعباء الخدمات الرعائيّة بسبب تقدّمهما بالسنّ،
وحيث إنّ وفاة الخوري طانيوس حردان المفاجئة قد سبّبت فراغاً كبيراً في الحقلين الروحيّ والاجتماعيّ، وأصبح لزاماً علينا ملء هذا الفراغ بكاهنين على الأقلّ، كون المرحوم كان يقوم بخدمة الرعيّة في عدّة أماكن، وبما أنّ الطالب المقترح لهذه الرسالة السامية يتمتع بأخلاقٍ عالية وخصالٍ حميدة وبتهذيب رفيع وبفضيلة وتقوى عرفناهما به منذ حداثة سنّه وليومنا هذا، علماً بأنّه يبلغ من العمر اثنين وأربعين سنة، متزوج وله خمسة أولاد (أربعة ذكور وأنثى واحدة) الكبير عمره عشر سنوات والصغيرة تسعة أشهر، وثقافته الحاليّة تسمح بإعداده لدرجة الكهنوت المقدّسة،
وبما أنّ مسؤوليّة العائلة ستكون مؤمّنة اثناء وجوده في فترة الدراسة الإعداديّة، وذلك على كامل مسؤوليّتنا دون تحميل البطريركيّة أيّة أعباء من أيّ نوع كانت،
لذلك نكرّر التماسنا موافقة نيافتكم على قبوله في المعهد”.
راجع أرشيف بكركي، جارور البطريرك المعوشي.
83. البابا يوحنّا بولس الثاني، أعطيكم رعاة، عدد 66. راجع أيضاً المجمع الفاتيكانيّ الثاني، قرار مجمعيّ في التنشئة الكهنوتيّة، عدد5.
84. وتجدر الاشارة إلى أنّ مجمع الأساقفة ألّف سنة 2000 لجنة لصياغة شرعة للتنشئة الكهنوتيّة في الكنيسة المارونيّة.
85. البابا يوحنّا بولس الثاني، أعطيكم رعاة، عدد 43.
86. كتاب الفرض، في مساء أحد تجديد البيعة. راجع العدد 8 أعلاه.
87. كتاب الق