رسالة الفصح 2011 للبطريرك مار بشاره بطرس الراعي
المسيح قام، وهو باكورة القائمين”
( 1 كور 15: 20) 1. قيامة يسوع المسيح من بين الاموات فتحت في تاريخ البشر صفحة جديدة لن تنطوي. لانها تغيّر وجه الانسان ووجه العالم. فالمسيح، ابن الله، الذي افتدى البشرية جمعاء بموته على الصليب، قام من الموت لكي ننال ثمار الفداء، اي غفران الخطايا والحياة الجديدة بالروح القدس. وأصبحت قيامته حالة قيامة فتحها بوجه كل مؤمن ومؤمنة بسرّ موته وقيامته. ما جعل بولس الرسول يؤكد ان ” المسيح قام، وهو باكورة الذين ماتوا” ( 1 كور 15:20). 2. يطيب لي في مستهل خدمتي البطريركية ان اوّجه اول رسالة فصحية الى اساقفة كنيستنا المارونية وكهنتها ورهبانها وراهباتها وسائر ابنائها وبناتها المتواجدين في لبنان وبلدان الشرق وعالم الانتشار. واضمّنها تحية المحبة وبركتي الرسولية والشركة معهم جميعاً، واطيب التهاني بالفصح المجيد. هذه التهاني اقدّمها ايضاً لاخواننا الاحباء في مختلف الكنائس، ولمواطنينا المسلمين الاعزاء وسواهم في البلدان كافة. ارجو للجميع ان يهنأوا بالسلام الآتي من عند الله والحامل كل نعم السماء وبركاتها الروحية والزمنية. 3. ” المسيح قام وهو باكورة الذين ماتوا” ليست قيامة يسوع حدثاً من الماضي يمكن إهماله او عدم الاكتراث له او تجاهله مع كل ابعاده ومعانيه. فقيامة الرب ضمانة لأنسنة الكائن البشري بحيث يستعيد جمال انسانيته المخلوقة على صورة الله والمزيّنة بحالة البرارة. ان دم المسيح المراق على الصليب قد غسل الانسان من الخطايا والاثام بالغفران، ونفح فيها حياة جديدة بالروح القدس بقوة قيامته. وها هو الرب القائم من الموت يواصل، بواسطة الخدمة الكهنوتية في الكنيسة، ما فعله يوم قيامته عندما دخل على التلاميذ، كهنة العهد الجديد، وهم مجتمعون في مساء ذلك الاحد والابواب موصدة، واراهم يديه الحاملتين آثار الصلب، وجنبه الحامل آثار طعنة الحربة، وكلها تدل على ينابيع الغفران الجارية من جراحه مدى الدهور، وقال لهم: “السلام معكم. كما ارسلني ابي، ارسلكم انا ايضاً”. ونفخ فيهم وقال: ” خذوا الروح القدس: من غفرتم له خطاياه غفرت. ومن حفظتم عليه خطاياه حُفظت” ( يو 20: 19-23). انها عملية خلق جديد. في خلق الانسان الاول نفخ الله فيه نسمة من روحه، فتكوّن الانسان على صورة الله وكان في حالة البرارة. ومن بعد ان شوّه هذه الصورة وفقد البرارة بخطاياه وشروره، عاد فخلقه من جديد نافخاً فيه الروح القدس، بفضل دم الفداء الذي أراقه الاله المتجسد على صليب الخلاص. وهكذا يكون المسيح القائم من الموت ببهاء الانسانية باكورة القائمين الى انسان جديد. 4. ان تجليات القيامة ظاهرة في حياة البشر بانواع شتى: في الخطأة الذين يتجددون بالتوبة والمصالحة؛ في الحزانى الذين يتعزون بالرحمة الالهية؛ في المعذبين والمظلومين والاسرى الذين ينفتحون على الرجاء الالهي؛ في المرضى والمعوّقين والمهملين الذين يرون في آلامهم امتداداً لآلام المسيح الخلاصية. هؤلاء كلهم يستمطرون باستحقاقاتهم نعم الله ورضاه وسلامه على العالم اجمع. ومن تجليات القيامة المصالحات التي تجري بين الناس، ولقاءات الاخوّة والتفاهم والحوار، ومبادرات المحبة الاجتماعية والتفاني في العطاء، تخفيفاً من وجع، وانقاذاً من حاجة، واخراجاً من يأس، وزرعاً للفرح في القلوب، وانماءً للشخص البشري، وترقياً للمجتمع. ومن تجليات القيامة ايضاً، القديسون الذين ترفعهم الكنيسة على المذابح شهوداً للقيامة التي جمّلتهم بقيامة القلوب في حياتهم التاريخية، وزينتهم ببطولة الفضائل الالهية والانسانية والخلقية، ورفعتهم بعد موتهم الى مجد السماء حول عرش الحمل. وها هم يتلألأون كالشمس في ملكوت الآب وسماء الكنيسة. نذكر من بينهم تباعاً في زمننا المعاصر الطوباويين الاخوة المسابكين الشهداء، القديسين شربل ونعمة الله ورفقا، والطوباويين الاب يعقوب حداد الكبوشي، والام ماري الفونسين، والاخ اسطفان نعمه، والمكرَّمَين البطريرك اسطفان الدويهي والاب بشاره أبو مراد. وها الكنيسة الجامعة تستعد للاحتفال، بعد اسبوع، بتطويب البابا الكبير يوحنا بولس الثاني. 5. اننا نتطلع الى تجليات القيامة في حياتنا الوطنية، آملين ان ينهض لبنان بفضل الارادات الصالحة من أزمة تشكيل الحكومة، ومن الحالة المتردية التي يرزح المواطنون تحت اعبائها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ومن نزيف الهجرة واليأس من مستقبل أفضل امام اجيالنا الطالعة. كما نرجو ان ينبزغ فجر قيامة السلام والاستقرار والتفاهم في الاراضي المقدسة والبلدان العربية التي تعاني من الاضطرابات. ايها المسيح القائم من الموت وانت باكورة الذين ماتوا، اقمنا معك لحياة جديدة. أقم عقولنا الى نور الايمان! أقم اراداتنا الى نهج الخير بالرجاء! أقم قلوبنا الى الشركة والمحبة! اجعلنا من بواكير القائمين. المسيح قام! حقاً قام! |