حدث قبل سنوات عديدة وفي إحدى المدن الجبلية النائية انه كانت توجد مدرسة لم يستطع أي معلم أن يسوس تلاميذها الذين كانوا فظين وشرسين للغاية ، ولذا كان المعلمون يفضلون الاستقالة على البقاء فيها.
وفي إحدى الأيام تقدم معلم أشهب العينين في مقتبل العمر طالباً أن يُقبل كمعلم في المدرسة ، فتفرس مدير المدرسة العجوز بوجهه وبادره بقوله : “أتعلم ما طلبت ؟ قتلة مؤلمة ! جميع الذين علَّموا عندنا منذ سنوات لم يسلموا منها – أي من “القتلة” . فأجاب المعلم على الفور : “سأغامر.
وأخيرا ظهر في غرفة الصف ليبدأ التعليم . عندما همس احد التلاميذ الضخام الجثة ولنقل أن اسمه زياد قائلاً :
“لن أطلب أية مساعدة منكم ، بامكاني أن أغلبه لوحدي”.
قال المعلم : صباح الخير يا أولاد ، لقد أتينا لنباشر الدراسة ! فزعقوا بأعلى صوتهم رادين له التحية . ” إنني أريد مدرسة جديدة لكن لن اكتم عليكم إنني لااعرف كيف ما لم تساعدوني انتم . اعتقد انه ينبغي أن يكون لنا بعض القوانين . انتم اذكروها وأنا أسجلها على اللوح الأسود.
زأر احدهم قائلاً: “السرقة ممنوعة ! “
وزعق آخر قائلاً “ينبغي الحضورإلى المدرسة في الوقت المعيَّن دون تأخير” .
وهكذا سجلوا عشرة مواد في القانون الجديد للمدرسة. ” والآن” قال المعلم ، ” لا فائدة من القانون ما لم يرتبط بعقاب للمخالف. ماذا سنفعل بالذي يخالف احد هذه البنود من القانون ؟”
“اجلده عشرة جلدات على ظهره ، على أن يكون بلا معطف“.
“هذا العقاب شديد وموجع يا أولاد ، فهل انتم على استعداد لتطبيقه ؟
“فزعق الجميع بصوت واحد “موافقين” .
فقال المعلم عندها ” إذا ، يعتبر هذا النظام ساري المفعول من هذه اللحظة في المدرسة”.
بعد مضي يوم واحد أو يومين وجد “زياد البدين” أن طعامه قد اختلس ، وبعد التحقيق الدقيق ظهر السارق ـ انه احد التلاميذ الصغار ، في العاشرة من عمره .
في صباح اليوم التالي أعلن المعلم قائلاً : “لقد وجدنا السارق، وبموجب القانون الذي وضعتموه ، يجب أن يعاقب بجلده عشرة جلدات على ظهره ! تعال إلى هنا يا فريد !”
تقدم الفتى الصغير مرتجفاً وهو يسير ببطء . وكان يلبس معطفاً فضفاضاً ومقفل الأزرار حتى الرقبة ، ويتوسل إلى المعلم قائلاً “بامكانك أن تجلدني بأقسى الشدة ، لكن أرجوك ، لا تطلب مني أن اخلع معطفي ! “
” بل يجب أن تخلع معطفك ، لقد كنت أنت احد واضعي هذا القانون ! “
“آه ، يا معلمي أرجوك أن تعفيني من ذلك ! ” ولما لم يجد استجابة لتوسلاته ابتدأ يفك أزرار المعطف ، ويا لهول ما رأى المعلم ! لم يكن المسكين يلبس قميصاً تحت المعطف بل كانت هناك سيور حمالة سرواله على جسده النحيل وعظامه بارزة لشدة هزاله.
“كيف يمكن جلد هذا الصبي ؟ ” فكر المعلم في نفسه ، ” لكن يجب أن اتخذ أي أجراء أن كنت أريد الإبقاء على هذه المدرسة ” .
خيم الصمت والرهيب وبدى الإنذهال على الجميع . “كيف حدث انك بدون قميص يا فريد ؟”
“لقد توفى والدي ” قال فريد ، و “والدتي فقيرة جداً ، وليس عندي سوى قميص واحد ، وهي تغسله اليوم ، لقد ارتديت معطف أخي الكبير لأستدفئ به”.
تلعثم المعلم واحتار في أمره ، بينما كان القضيب ما زال في يده .
وعندها قفز “زياد البدين” وافقاً يقول : “ أن كنت لا تمانع ، اجلدني أنا نيابة عن فريد“.
“حسن جداً ، هناك قاعدة ثابتة تقول أن بامكان الشخص أن ينوب عن شخص آخر. فهل كلكم موافقون على ذلك ؟”
خلع “زياد البدين” معطفه ، وبعد خمس جلدات على ظهره انكسر القضيب ! عندها وضع المعلم رأسه بين راحتيه ، مفكراً في نفسه . “كيف أستطيع أن انهي هذه المهمة المريعة ؟”
ثم سمعه الصف كله يشهق مسترداً أنفاسه ، فماذا رأى أمامه ؟ “فريدالصغير” يهرع إلى زياد ويلف ذراعه حول عنقه قائلاً: ” أنا متأسف يا زياد لأني اختلست طعامك .
لكني كنت جائعاً جداً . سأحبك يا زياد إلى آخر يوم من حياتي لأنك قبلت أن تجلد نيابة عني ! نعم سوف أحبك إلى الأبد ! “
(الأخ إيلي مطر)