عظة البطريرك في عيد القديس مارون، في كاتدرائية مار جرجس – بيروت، 9 شباط 2012
إننا بمناسبة عيد القديس مارون ندعو الموارنة للمحافظة على هذه القيمة وتعزيزها، مستمدينها من هوية كنيستهم التي هي مصدر رسالتهم. هذا ما كشفه المجمع البطريركي الماروني المنعقد ما بين سنة 2000 و 2005، محدِّداً هذه الهوية والرسالة بأربع ميزات:
1) الكنيسة المارونية بطريركية ذات طابع نسكي رهباني. مستمدّ من روحانية القديس مارون الكاهن الناسك، وديره الذي هو مهد المارونية. ما يعني أنها جماعة ديرية كبيرة معروفة برعية البطريرك التي تتمحور حول الكرسي البطريركي، وشخص البطريرك المدعو “الأب الرأس”، الحافظ لوحدتها في إطار مجمعية أسقفية. إنّ طابعها البطريركي يجعلها جزءاً لا يتجزّأ من الكنيسة الكاثوليكية التي يرعاها أسقف روما، خليفة القديس بطرس. إنّها كنيسة الشركة مع الكرسي الرسولي الروماني، وهي ذات موهبة خاصة قوامها الصلاة والتوبة وبساطة العيش والتعاضد الأخوي بروح المحبة وحالة السهر بقوة الرجاء الذي لا يخيّب، وانتظار تجلّيات المسيح في حياتها ومجيئه الثاني ديّاناً، فالإنطلاقة الجديدة من المسيح.
2) والكنيسة المارونية إنطاكيّة سريانيّة ذات تراث ليتورجي خاص. بهذه الصفة هي مؤتمنة على جوهر المسيحية التي أُعطيَت اسم مسيحي في انطاكية (أعمال11: 26) وبالتالي على وحدة الإيمان والشركة في إطار التعددية والإنفتاح على الشعوب. وبهذه الصفة أيضاً تنتمي إلى عائلة الكنائس ذات التراث السرياني المميّز بالطابع المريمي، والدعوة الملحّة إلى التوبة، ورجاء لقاء المسيح في نهية الزمن.
3) والكنيسة المارونيّة خلقيدونيّة. تحمل طابعاً مسيحانياً بروحانية التجسّد في البيئة اللبنانيّة والمشرقيّة وفي بلدان الإنتشار. ما يقتضي المحافظة على الأرض وسعي أبنائها الدؤوب مع مواطنيهم وشركائهم في المصير، من مسيحيين ومسلمين، إلى العمل معاً في شتى المجالات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية، من اجل ترقّي الإنسان، كلّ إنسان، ليستعيد كرامته وصورة الله فيه. وعلى مستوى الإنتشار، يعمل أبناؤها على شدّ روابطها مع الكنيسة الأمّ للحفاظ على وحدتها، ولتعزيز تنوّع حضورها في العالم.
4) والكنيسة المارونية في شركة تامّة مع الكرسي الرسولي الرومان،ما أتاح لها تأدية رسالتها في بيئتها بحيوية وفعالية، من خلال انفتاحها على الغرب والإفادة من قدراته العلمية والفكرية. فكان أن أدّى الموارنة دوراً رياديّاً في نقل التراث الشرقي إلى الغرب والتراث الغربي إلى الشرق، ما جعل لبنان، بحكم موقعه الجغرافي ودور أبنائه، جسراً ثقافياً بين الشرق والغرب.
إنّ هذه الميزات الأربع توجب على الموارنة الإلتزام بالعمل المسكوني من أجل وحدة الكنائس بتنوّع تقاليدها الروحيّة والثقافيّة والإجتماعيّة والوطنيّة، وبالحوار مع الديانات، ولاسيّما الدين الإسلامي، حوار الحياة الإجتماعيّة والوطنيّة وحوار الثقافة والقضايا المصيريّة.